لم تعد الدعوة الى الحوار لإزالة العوائق التي تحول دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية، تحمل في طيّاتها روحية حواريّة، بل أصبحت شكلًا من أشكال الإستقواء، لأنّ الحوار، اذا انعقد، بعد طول رفض، سيكون في الواقع، مجرّد انصياع!
إنّ التيئيس الذي يحاول “الثنائي الشيعي” فرضه على اللبنانيّين ليحقق ما يرمي إليه، يكشف عن نيات خبيثة، لأنّ انقاذ البلاد لا يمكن أن يُبنى على التيئيس، بل على وعي بهواجس الأطراف المختلفة وابتداع السلوك السري الذي يراعيها، من أجل أن يكون تأسيس لبنان الغد على صخر الثقة وليس على وحول الاستقواء.
والدعوة المتكررة الى انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة بالحوار أصبحت، في حقيقتها، عنادًا و”تشبصًا” ونكاية، خصوصًا أنّ القوى التي رفضته، منذ اليوم الاوّل لطرحه، لم تفعل ذلك “نكدًا”، بل هي بنت قرارها على حقائق تبدأ من أنّ انتخاب رئيس الجمهورية له آليّة دستوريّة لا بدّ من احترامها لأنّ عكس ذلك يحوّل الدستور الى آلهة من تمر يأكل منها كلّ من له باع طويل، ولا تنتهي بتجارب يشهد عليها جميع اللبنانيّين الصادقين، فمنذ العام ٢٠٠٥ كانت النتائج مع الحوار “مأساويّة، اذ إنّ القوى اللبنانيّة كلّما جلست الى طاولة واحدة مع “حزب الله” تجد نفسها مجرّد غطاء لحروب هنا ولاحتقار هناك.
لتكون الدعوة الى الحوار حسنة النيّة لا بدّ من التمهيد لها باعتراف الداعين له أنّهم كانوا في ما مضى سيّئين للغاية، ف”حزب الله” استغلّه شرّ استغلال فذهب، في المرة الاولى الى حرب تدميرية (العام ٢٠٠٦) وذهب في المرة الثانية الى المشاركة في الحرب السورية ( ٢٠١٢) ماسحًا، بوقاحة لا متناهية، تعهّداته، فيما أثبت نبيه برّي، دائمًا أنّ لسانه المعسول لا تشرّفه انصياعاته المتراكمة لقرارات “حارة حريك”.