مع تجدد مخاطر تفشي وباء الكوليرا في سوريا، أعلنت وزارة الصحة اللبنانية في بيان صادر عن مكتبها الإعلامي عن حملة تلقيح باشرت بها منذ ثلاثة أسابيع، مستهدفة المناطق والبلدات المصنّفة علمياً من الأكثر تعرضاً لخطر انتشار الوباء. وأوضحت أن اللقاح ضرورة للحؤول دون معاودة انتشار الكوليرا في لبنان في ضوء تزايد عدد الإصابات في سوريا.
ووضعت وزارة الصحة في بيانها بلدات لبنانية على قائمة هذا التصنيف، ومن بينها قب الياس وبرالياس وسعدنايل في البقاع، وعرسال في بعلبك، بالإضافة إلى العمروسية وحي السلم في جبل لبنان.
القاسم المشترك بين هذه البلدات إلى جانب كونها مجتمعات مضيفة للنازحين السوريين، يكمن في ضعف مقومات مناعتها ، ما يجعلها حاضنة سهلة لتفشي المرض وانتقاله بسرعة. وبالتالي، تبقى الخشية من تسلل المرض إلى لبنان، ولو عبر المعابر غير الشرعية التي لا تزال متاحة أمام من يترددون إلى بلدهم، وهو ما يهدد ليس فقط تجمعات النازحين التي يقيمون فيها إنما المجتمعات المحلية المضيفة لها.
لاإصابات معلنة
ومع ذلك لم يسجل في لبنان حتى الآن أي إصابات معلنة بالكوليرا جراء موجة العدوى المتجددة.
وهذا ما أكده لـ”المدن” ممثل منظمة الصحة العالمية WHO في لبنان، الدكتور عبد الناصر أبو بكر، مشيراً إلى أن حملات التلقيح تأتي في إطار الجهود المشتركة بين وزارة الصحة اللبنانية والـWHO، بالتعاون مع عدد من المنظمات غير الحكومية للوقاية من انتشار الوباء. وقال “لا نريد أن نثير الهلع ولكن هناك حاجة في المجتمعات المستهدفة لأن يحصل كل فرد، أيّا كانت جنسيته، على هذه اللقاحات”. وأوضح “أنها لقاحات آمنة وتعطى في الفم ولا عوارض جانبية لها، وهي في المقابل تؤمن سبل الوقاية وخصوصاً في المجتمعات الهشة التي تعاني ظروف بيئية غير سليمة”.
هذا في وقت لفت البيان الصادر عن وزارة الصحة لكون “الحملة تنفذ بدعم مالي من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون ال لاجئين والبنك الألماني للتنمية (KFW)، وبدعم تقني من منظمتي الصحة العالمية واليونيسف. متحدثاً عن مئة وثلاثين فريقاً ميدانياً يعملون على إيصال اللقاحات بالتعاون مع جمعيات أطباء بلا حدود، عامل الدولية، وميدير (MEDAIR).
تحليل المخاطر
من جهته، شرح مدير منظمة WHO لـ”المدن” أن تحديد المناطق المستهدفة بالحملة، جاء نتيجة لعملية تحليل للمخاطر جرت بالتعاون بين وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية. مشيراً إلى أنه إذا لم تكن هناك حالات مثبتة من الكوليرا في أي من هذه المجتمعات، “فإن غايتنا أن يبقى الأمر كذلك من خلال منح اللقاحات التي تساعد على الوقاية”. وأعلن أن عدد الأشخاص الذين تم استهدافهم في الحملة سواء من الجنسية اللبنانية أو السورية أو غيرهما، بلغ حتى الآن نحو 133 ألفاً في قرى مختلفة من جبل لبنان، طرابلس، عكار البقاع وبعلبك، محدداً العدد النهائي للمحصنين الذين تهدف المنظمة ووزارة الصحة لاستهدافه بنحو 400 ألف.
واعتبر أبوبكر أن الحال الصحية والبيئية في بعض المجتمعات اللبنانية، وبعض الممارسات غير السليمة على صعيد أنظمة التخلص من النفايات ومن مياه الصرف الصحي، وكميات المياه النظيفة غير الكافية المتوفرة لبعض المجتمعات، تفرض تحديات إضافية في اتخاذ الإجراءات الوقائية. وأشار إلى أن تحصين المجتمعات بشكل جذري يتطلب عملاً تراكمياً، وخططاً وبرامج مستدامة، الأمر الذي لا يبدو سهلاً في ظل الواقع الدقيق الذي يعيشه لبنان.
القلق الذي طرق أبواب المجتمعات المضيفة للنازحين السوريين من الكوليرا ليس الأول في تاريخ هذا النزوح إلى لبنان. إنما واجه لبنان انتقال العدوى في حملة سابقة قبل نحو سنتين. ومع أن وزارة الصحة نجحت مع شركائها في تطويق الإصابات حينها، ومنع التفشي الواسع للمرض، اعتبر مصدر في وزارة الصحة أن مفاعيل تلك الحملة لا تعتبر كافية، وإنما المطلوب اتخاذ الإجراءات الوقائية المباشرة والآنية، وخصوصاً مع ظهور مؤشرات حول سرعة انتشار هذا الوباء عالمياً. إلا أن المصدر توقع كنتيجة لتلك الحملة تجاوباً أكبر مع إرشادات أساليب الوقاية الفورية، وخصوصاً على صعيد تعقيم المياه بكميات الكلور المحددة، وأيضاً السهولة في تقبل اللقاح هذه المرة، ولا سيما في مخيمات النازحين السوريين التي استُهدفت جميعها في الحملة السابقة. علماً أن الوزارة تحث الجميع على تناول هذا اللقاح حتى لو كانوا ممن تناولوه في المرة السابقة سعياً لتأمين المناعة المجتمعية. هذا في وقت أشار مصدر صحي أيضاً إلى أن الرقابة الصحية على المعابر الحدودية الشرعية مؤمنة، وهناك دور لمنظمة اليونيسيف التي تحرص على حصول الأطفال خصوصاً على جميع أنواع اللقاحات.