"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

"محور الممانعة" وثورة الإسرائيليّين!

فارس خشّان
الخميس، 27 يوليو 2023

"محور الممانعة" وثورة الإسرائيليّين!

تعيش إسرائيل أسوأ أيّامها، فالإنقسامات فيها وصلت الى مستوى اعتبارها مقدّمات جدّية لحرب أهلية عتيدة.

مكوّنات هذه الإنقسامات كثيرة وخطرة، إذ وضعت في المواجهة العلمانيّين والمتديّنين، اليسار المؤسس واليمين المهيمن، السلطة السياسية والقضاء المستقل، القيادات العسكريّة والمتطوّعين، الثقة والإستثمار.

أصدقاء إسرائيل خائفين على مستقبلها وأعداؤها يأملون في أن تُفجّر نفسها بنفسها!

ولكن، ومهما كانت عليه الحال، فإنّه من الواضح أنّ في إسرائيل مجتمعًا مدنيًّا قويًّا للغاية تعجز الدول المعادية لها على الإدعاء باحتضان مثيله، ففي إيران وسوريا والعراق ولبنان تعرّض المجتمع المدني، عندما أطلّ برأسه، لهجمات قاتلة لا تزال تداعياتها المأساوية مستمرة.

كانت الحجة الدعائية التي استعملتها “دول الممانعة” في التصدّي الدموي والعنفي لانتفاضة المجتمع المدني تتمحور حول أنّ القيّمين عليه ليسوا سوى مجموعة مموّلة من الخارج من أجل إلحاق الوهن ب”المقاومة” لمصلحة إسرائيل.

في إسرائيل حاول رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ومن أجل تمرير التعديلات المثيرة للغضب بصفتها توجّه ضربة قوية الى الديموقراطية الصحيحة ضمن “دولة اليهود”، أن يستنسخ خطاب “ديكتاتوريّي” دول الممانعة، من خلال تركيزه على أنّ المظاهرات المعارضة لحكومته من شأنها أن تخدم “العدو”، لكنّ الجميع رموا كلماته هذه في سلّة المهملات، لأنّ المجتمع المدني في بلاده لا يزال، أقلّه حتى تاريخه، أقوى من الخضوع لفحص الدماء الوطنية، من جهة ولأنّ السلطة لا تملك حريّة استعمال أدوات القمع التي نالتها القوى المتحكمة بدول “محور الممانعة”، من جهة أخرى.

وحاليًا لا يملك الإئتلاف الحاكم أيّ قوة دعائيّة داعمة أهم من تعظيم المواقف التي تصدر عن قيادات “محور الممانعة” حيال “الثورة المدنية” في إسرائيل بحيث أصبحت قيادات “حزب الله” و”الجهاد الإسلامي” و”حركة حماس” و”الحوثي” و”الحشد الشعبي” و”الحرس الثوري في إيران”، نجومه!

ويعظّم الإئتلاف الحاكم مواقف هؤلاء ويعطيها أهميّة مطلقة لأنّها تنسب الفضل في ما يحصل في إسرائيل إلى “المقاومة”، ففي دعائيّة “محور الممانعة” أنّه لولا “المقاومة” لما كان الإتقسام الحالي في “الكيان الصهيوني”.

ولو كان في إسرائيل محاكم عسكرية شبيهة بتلك التي في لبنان، لكانت قد جرّت جميع الثائرين على الإئتلاف الحاكم، بتهمة التعامل مع الدو، ودليلها على ذلك “كلام العدو نفسه”.

ولكن، في واقع الحال، لولا وجود “محور الممانعة” لكانت “الثورة المدنية” في إسرائيل قد حققت إنجازات أكبر، لأنّ الجيش الإسرائيلي، بأكثريّته، يؤيّد التوجهات المعارضة للإئتلاف الحاكم مثله مثل كل القطاعات الأساسيّة في البلاد، بدءًا بالمصارف مرورًا بالإقتصاد وصولًا الى المستشفيات، ولكنّ دخول “حزب الله” على الخط من خلال “حركشات حدوديّة” و”الجهاد الإسلامي” من خلال المناوشات في مخيمات الضفة الغربية، يدفع بالجميع في “دولة اليهود” إلى “ترشيد” سلوكياتهم لتبقى تحت سقف “الدفاع عن السيادة”.

وكلام الناطقين باسم “محور الممانعة” لا جماهير حقيقية له ضمن الثائرين المدنيّين في إسرائيل، إذ إنّ هؤلاء “الثائرين”، وفي أدبياتهم، يعلنون جهارًا أنّ نهجهم ضد التعديلات التي يسير بها الإئتلاف الحاكم هو من أجل تجنيب أنفسهم، في لحظة تخلٍّ، من الشرب من الكأس نفسه الذي يشرب منه اللبنانيّون والسوريّون واليمنيّون والعراقيّون والإيرانيّون، إذ إنّ نتنياهو وحلفاءه تحوّلوا الى نسخة شبيهة بالطغاة المستحكمين بهذه الدول.

وعليه، فإنّ قادة “محور الممانعة” بدل أن يهدروا أوقاتهم في حملات دعائية تهدف الى نسب الفضل بما يحصل في إسرائيل إلى أنفسهم، في محاولة منهم لادعاء “ضرورتهم”، يجدر بهم أن يتأمّلوا مليًا بما يحدث في مجتمع عدوّهم، فهو كان يزدهر عندما كانت مجتمعاتهم تغرق، وهو حاليًّا ينتفض من أجل مبادئه فيما مجتمعاتهم تروي قصّة قتلها وسحقها وتمويتها وتسميمها.

قد يصح قول قادة “محور الممانعة” بأنّ إسرائيل اليوم تحفر القبر الذي سوف تُدفن فيه، ولكنّ هذه القناعة لا تصب ماء في طاحونة هؤلاء، بل تبيّن صحة ما سبق أن قاله كثير من المخضرمين السياسيّين: في اللحظة التي لا تعود فيها إسرائيل قلقة من خطر وجودي خارجي، تجد نفسها في مواجهة مع تناقضاتها الكفيلة إن لم يكن بتدميرها فبتحويلها الى دولة ضعيفة!

نشر في “الّنهار العربي”

المقال السابق
بعد تلميحه الى انعدام حرية الإعلام في مملكتهم..سعوديّون يهاجون وزير سليمان فرنجية في الحكومة

فارس خشّان

كاتب سياسي

مقالات ذات صلة

الطريق الى 7 تشرين...شارون يقمع الانتفاضة الثانية ويزيح عرفات

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية