يهودا بالنغا- يسرائيل هيوم
نظرة معمقة إلى بلاد الأرز، تكشف صورة غير مستقرة. لبنان في مسار انهيار مستمر منذ 4 أعوام. قيمة العملة المحلية تنهار - الدولار اليوم يعادل 15 ألف ليرة [رسمياً] (في السوق السوداء، الدولار الواحد يساوي 100 ألف ليرة)، ونسبة التضخم السنوية 254%؛ 36% من السكان تحت خط الفقر؛ معدل الراتب في السوق هو تقريباً 150 دولاراً في الشهر، إذا توفّر عمل أصلاً، لأن نسبة البطالة تقدَّر بـ29.5%. لا يوجد كهرباء في لبنان في معظم ساعات اليوم (إلّا إذا كنت تملك مولداً خاصاً)، بالإضافة إلى نظام صحي لا يعمل، وانتشار الأوبئة، وأزمة سياسية ترتبط دائماً بالتوترات الطائفية، والدمج ما بين هذه الأمور كلها يهدد بتفجير المجتمع اللبناني.
من المفترض أن تقنعنا هذه البيانات بأنه لا يوجد احتمال لاندلاع حرب في الجبهة الشمالية. لبنان منهار، ولذلك، حزب الله ليس لديه الرغبة، أو القدرة على الدخول في حرب مع إسرائيل. فضلاً عن أن القيادة اللبنانية تُصدر تصريحات واضحة بشأن الحرب مع إسرائيل. فعلى سبيل المثال، يوم 16 تشرين الأول/أكتوبر، قال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إنه “لا يمكن لأحد أن يتوقع ما يمكن أن يحدث… ولا مصلحة لأحد في الخروج إلى مغامرة وفتح حرب في جبهة جنوب لبنان، لأن اللبنانيين لن يتحمّلوا.”
لكن إذا كان هناك ما يمكن تعلُّمه من فشل 7 تشرين الأول/أكتوبر، فهو أنه من الممنوع الاستناد إلى افتراضات تعتمد على الرؤية الإسرائيلية - الغربية في هذه المنطقة. حزب الله تنظيم “إرهابي” شيعي - لبناني يرتبط بإيران. هوية التنظيم تتشكل من 3 مركّبات: حزب الله يعمل باسم الطائفة الشيعية وملتزم بها وبمصلحتها ومكانتها؛ وفي الوقت نفسه، حزب الله يطرح نفسه بأنه يحمي لبنان ويعظّم من شأن الانسحاب الإسرائيلي في أيار/ مايو 2000، باعتبار أنه لم يكن نصراً له فقط، كتنظيم مقاوم لإسرائيل والغرب، إنما كتنظيم قومي لبناني. وفي النهاية، حزب الله يعمل وفقاً للقناعة بالحاجة إلى “تفكيك الكيان الصهيوني” الإسرائيلي. هذا بالإضافة إلى أنه يعمل بارتباط أيديولوجي بإيران، وفي هذا الإطار، هو جزء من “محور المقاومة” الذي يشمل إيران وسورية و”حماس”.
هذه العضوية ولّدت لدى نصرالله الحاجة إلى العمل والتأثير، كممثل للثورة الإسلامية في إيران، في جبهات عديدة داخل الشرق الأوسط - وليس فقط في لبنان، أو الصراع مع إسرائيل، بل أيضاً في اليمن وسورية.
معنى هذا أنه من دون علاقة للوضع الداخلي في لبنان، فإن حزب الله ملتزم، في الأساس، بمصالحه ومصالح إيران. وعملياً، مَن كان واضحاً في هذا الشأن هو رئيس الحكومة ميقاتي، الذي قال يوم 13 تشرين الأول/ أكتوبر، أنه لا يوجد لدى حكومة لبنان القدرة على التأثير في مجريات الأحداث، وأضاف: لم نحصل على أي ضمانات من أيّ طرف (حزب الله) بشأن كيفية تطوُّر الأمور لأن الظروف مختلفة.” بما معناه، حزب الله هو مَن يسيطر، ولا يوجد أيّ طرف يقف ضده في لبنان.
وأكثر من ذلك، فإن التزام حزب الله إزاء المسؤول الإيراني عنه، هو ما جعله يتطور إلى هذا الحجم الكبير جداً. فبحسب بعض التقديرات، يوجد لدى التنظيم “الإرهابي” الشيعي نحو 150 ألف قذيفة و20-30 ألف مقاتل في القوات النظامية (والأعداد نفسها بالنسبة إلى قوات الاحتياط)، وهذا كله لكي يكون جاهزاً ساعة وصول الأوامر.
هذه القوة بحد ذاتها، بالإضافة إلى وجود حزب الله وإيران في سورية، إلى جانب الميليشيات الشيعية والفلسطينية السّنية، هي قوة تهدد وتردع. لكن، بسبب ميزان الرع ب هذا، وبدافع من أنه لا يجب السماح لأيّ قوة تريد تفكيك إسرائيل بالنمو إلى جانبنا، يجب العمل ضد حزب الله.
التهديد مطروح على الطاولة. ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان قال إن لم توقف إسرائيل معركتها العسكرية في غزة، فإن حزب الله، اللاعب المركزي في محور المقاومة، بقيادة طهران، جاهز ويده على الزناد.
إذا كان حزب الله جاهزاً لإطلاق الضربة الأولى، فعلى إسرائيل أن تستبق، وأن تلغي التهديد من الشمال، وإن لم نقُم بذلك، فنحن نؤجل اللحظة - بالضبط كما حدث في سلسلة الجولات في مواجهة “حماس” في غزة.