في آخر إطلالاته قال الأمين العام ل”حزب الله” السيّد حسن نصرالله إنّ إسرائيل تستهدف المدنيّين في لبنان عن سابق تصوّر وتصميم ، بهدف الضغط على “المقاومة” ودفعها الى التراجع.
قد يكون تقييم نصرالله لما ترتكبه إسرائيل دقيقًا جدًّا، ولكن هذا التقييم يصبح من دون أيّ قيمة إذا لم يتم التصدّي له بتدابير توفّر الحد الأدنى الواجب لحماية المدنيّين، فتركهم يتدبّرون أمورهم، وفق ما يرتأونه، يصبح نوعًا من أنواع المشاركة في الجريمة.
الحكومة الإسرائيلية صاحبة قرار الحرب والسلم، اتخذت من جهتها ما يمكن اتخاذه من تدابير لحماية مدنيّيها ، بغض النظر عمّا إذا كانت كافية أم لا، فهي تولّت إجلاءهم، وأمّنت لهم ما يلزم من رعاية، وتحرص على تحذير القلة التي بقيت منهم في بلداتها وقراها بإطلاق صفارات الإنذار، وتعمل على إقفال الطرق إذا استشعرت خطر استهداف هذه المنطقة أو تلك.
ماذا يفعل “حزب الله”، صاحب قرار الحرب والسلم على الجبهة اللبنانية، لمنع الجريمة الإسرائيليّة بحق المدنيين في الجنوب من الوصول الى أهدافها، بعدما جرى تغييب الجيش اللبناني وتهميش اليونيفيل؟
لا شيء. إنّه يترك الناس لمصيرهم. يسمح لهم بالذهاب والإياب، على راحتهم. الشهيدة أمل الدر، كما يروي والدها، وهي بالكاد بلغت السادسة من عمرها، تمّت مرافقتها الى مجدل زون، على الرغم من إجلائها، في وقت سابق عنها. لم يمنع أحد انتقالها الى هناك، على الرغم من أنّ بلدتها والطرق المؤدية إليها ومحيطها يقع في منطقة خطرة للغاية.
كيف يُعقل أن يحدث ذلك؟
جميلة هي شعارات القوة والصمود والتجذر بالأرض، ولكنّ جمالها ينتهي عندما تتحوّل الى خطر على من يفترض بالجميع حمايتهم الى وقت حلول الأمان.
في بيئة “حزب الله” يعتبرون إنجازًا عسكريًّا أن تُطلق إسرائيل صفارات الإنذار وأن تقفل الطرق وأن تُجلي المدنيين، ولكنّهم يتغاضون عن أنّ تصوير التدابير الوقائية على أنّها “ضعف” يجر على الشعب الذي يصدقهم الويلات، إذ إنّ هذا الشعب يتوهّم بأنّ عدم الإكتراث بالخطر هو شجاعة وبطولة ومقاومة.
حان وقت رفع مستوى الحيطة والحذر. إسرائيل تستهدف المدنيّين. واجب من يحاربها أن يتخذ ما يلزم من تدابير لمنع إسرائيل من تحقيق جريمتها.
هذا لن يُلغي بطبيعة الحال سقوط شهداء مدنيّين، إذا ما جرى استهدافهم خارج نطاق النقاط الخطرة، ولكن حينها يمكن القول “لا حول ولا قوة الإ بالله العلي العظيم”. وحينها فقد يُصبح للعمليات “الإنتقامية” قيمة ومعنى!
إنّ “حزب الله” لا يخوض في الجنوب حاليًّا “مقاومة” بل هو يشعل حربًا كلاسيكيّة. في مواجهات المقاومة كل التضحيات ممكنة. في الحروب الكلاسيكية ثمة تضحيات ترقى الى مستوى الجريمة.