مرّ يومان على حادثة صيدا، جنوبيّ لبنان حيث قررت البلديةُ منعَ النساء من ارتياد الشاطئ من دون ارتداء لباسِ بحرٍ شرعيّ، الأمر الذي يصفه المعترضون تطرّفًا يجب أن يُكافَح. موقف لبنان الرّسمي جاء رماديًّا، فوزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي شدّد على ضرورة تطبيق قرار البلديّة رغم أنّه أعلن دعم الحريّات. هي إذن، تصاريح “رفع عتب” تثبت كلّ مرّة غياب الدولة، ما حوّل كلَّ فردٍ ديكًا على مدينته، يسكتُ الجميعُ عندما يقرّر هو أن يصيح.
مايوه غير طائفي!
لقد أُريد لهذا الخلاف أن يتحوّل إلى نزاع طائفيّ يقسّم البلدَ إلى فئتين: “هنّي ونحنا”، “عنّا وعندهم”. أمّا في الواقع، فالنزاع لا يبدو طائفيًّا، فعلى بُعد أربعين كيلومترا من صيدا يقع شاطئ صور الشعبي المرحِّب بالجميع في منطقة مختلطة يرفض مواطنوها بمختلف انتماءاتهم فرضَ قواعدَ تخالفُ الدستورَ اللبنانيّ.
قمع بسمنة وقمع بزيت
كثر من الممعتضين ممّا حصل في صيدا المتباهين بأنّهم متحرّرون وحريصون على الحريّات الشخصيّة، فاتهم أنّ منهم من شنّ حربَ إلغاء على حفل ل”مشروع ليلى” في مدينة جبيل في العام ٢٠١٩ ل”منع أراقة الدّماء” حسب ما أعلنت يومها لجنة مهرجانات بيبلوس الدّوليّة، بعدما طالبت السلطات الكنسية الرسمية في لبنان بمنع الحفل، لأنّ أغاني الفرقة “تمسّ بالقيم الدينية والإنسانية وتتعرّض للمقدسات المسيحية وتشكّل إساءة وخطراً على المجتمع”. لكنّ أمرًا واحدًا يميّز ما سبق أن حصل في جبيل عمّا حدث في صيدا، إذ خرجت في جبيل أصواتٌ رافضة لإلغاء الحفل من دون أن تتعرّض للاعتداء والضرب، أمّا في صيدا وعلى الرغم من وجود صيداويّين غير مؤيّدين لقرار البلديّة، فتعرّض الأهالي الرافضون لقرار البلدية للاعتداء والضرب ومنهم الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين.
واقعتان تثبتان أمرَين جوهريّين في لبنان: هناك مجموعاتٌ تُتقن تحريمَ القمع على غيرها وتحلّله لنفسها، فتُدين غيرها بما رفضت أن تُدان به، وتجّزّىء الحريّات الشخصيّة وتعدّل مفهومَها على هواها. الدولة هي ..الحل!
وفي المقابل، تؤكّد الواقعتان أنّ هناك مناطق تحضر فيها الدّولة بشكل يسمح بوجود أصوات معارضة وتغيب في مناطق ما يحوّل المعارضين إلى أصوات صامتة.
من هنا، فإنّ المشكلة الأساسيّة في لبنان ليست بوجود متطرّفين بل بغياب دولة تمنع هؤلاء من تنفيذ تطرّفهم على الآخرين. حتّى في البلدان المتطوّرة، هناك متطرّفون ومتعصّبون وطائفيّون ولكنّهم يحتفظون برأيهم ولا تؤثّر مواقفُهم على حياة غيرهم.
في لبنان، وعند كلّ حدث يطالب المواطنون بصحوة شعبيّة، فيما الحلّ الأساسيّ أن تفرضَ الدولةُ سيطرتَها. وعندها حتّى لو حضر المتطرّفون، لا يغيب من يردعهم.