"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

ماذا يقول علم النفس عن محازبي اليمين واليسار وهل الانتماء "جيني" أم ثقافي؟

كريستين نمر
الثلاثاء، 23 يوليو 2024

ماذا يقول علم النفس عن محازبي اليمين واليسار وهل الانتماء "جيني" أم ثقافي؟

هل توجد اختلافات نفسية بين اليميني واليساري؟ وماذا عن التوصيفات التي تقال بحق بعضهم البعض بأنّ الأول “انعزالي” بينما الثاني “غوغائي”؟ وما رأي علم النفس السياسي حيال هذه الاختلافات؟

بيّنت الأبحاث في علم النفس السياسي أنّ ثمّة اختلافات في القيم وطريقة التفكير بين ذوي الميول اليسارية واليمينية، إذ من السهل تحديد انتمائهم من طريقة تحليلاتهم وخطاباتهم، فبمجرّد أن يثيروا بعض المشاكل الاجتماعية كأن يقال مثلًا: “إن تفشّى الجريمة لدى الشباب هو بسبب سوء توزيع الثروات والموارد ولأنهم يعيشون في ظروف صعبة وفي مناطق فقيرة وينتمون إلى عائلات منكوبة ويعانون من نقص عاطفي…” حتى نسارع إلى القول إن صاحب الرأي يساري، في حين أن اليميني في خطابه يركّز أكثر على سلوكية الفرد مثل “رغبة هؤلاء الأفراد هي في الحصول على المال بسهولة، فهم يعانون من النمطية أو عدم الاستقرار العاطفي، ويرفضون الطرق العادية للاندماج…”

لكن هل هذا الاختلاف والتناقض بالتفكير صحيح، أم أنه مجرّد أسطورة تتناقلها الصالونات؟

سعى علم النفس السياسي الأمريكي خلال سبعينات القرن إلى تحديد الملامح الشخصية بين الناخب الديموقراطي والناخب الجمهوري، وبين المحافظين والعمال وكذلك بين مؤيدي اليمين واليسار، فلاحظ اختلافًا بطريقة التفكير، كأن يتمتّع البعض بانفتاح ذهني أكثر أو طريقة تفكير أقل تعقيدًا، كما أن جزءًا من الأبحاث التي قام بها عالم النفس فيليب تيتلوك من جامعة بيركلي اتجهت أكثر إلى اعتبار “أن الأفراد من الأحزاب اليسارية يعتمدون مصطلحات أكثر تعقيدًا من مؤيدي الأحزاب اليمينية الذين يفضلون تأثيرات مباشرة وبسيطة” كما قال.

ما المقصود هنا بـ “مصطلحات أكثر تعقيدًا”؟

تبيّن لدى تيتلوك أن الأشخاص ذات الميول اليسارية يعقّدون القضايا في طريقهم إلى إيجاد الحلول، بينما يستخدم اليمينيون خطابات مباشرة وعلى صلّة مباشرة بالإشكالية.

في مقارنته بين خطابين عن ظاهرة إدمان المخدرات أحدهما ليميني والثاني ليساري، لاحظ فيليب تيتلوك أنّ الأول اعتبر في خطابه أنّ الإقلاع عن تعاطي المخدرات “هو مسألة إرادة وتحفيز شخصي”، في حين تطرّق اليساري إلى عدة أبعاد مترابطة ومتصّلة إذ قال: ” إنّ الإدمان هو مشكلة أكثر تعقيدًا، إنها وسيلة للتعبير عن اضطراب في العلاقات ونقص في الروابط الاجتماعية ووضعه يتطلب مرافقة تعيد دمجه اجتماعيًا في نفس الوقت مع مساعدة طبية للإقلاع عنه”.

من الملاحظ أن المصطلحات التي استعملت لمعالجة المسألة عند اليساري كانت أكثر تعقيدًا.

وفي تحليل للمقابلات مع البرلمانيين البريطانيين، لاحظ فيليب تيتلوك أيضًا ما أسماه بـ “عقدة التفكير” والتي “تبدو أكثر تعقيدًا كل ما اتجهنا من اليسار المعتدل إلى اليسار المتطرّف”، كما يقول.

تعابير “يمينية” وتعابير “يسارية”

في دراسة أجراها أستاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة تولوز في فرنسا باسكال مارشان، طلب خلالها من متطوّعين إيجاد خمس كلمات على ارتباط تلقائي بالثقافة، فاستخدموا كلمات مثل: معرفة، سينما، موسيقى، إثراء، تعليم، فن، وغيرها، ثم عاود طرح السؤال عليهم لكن هذه المرة مع إضافة: “بصفتك ناخبًا يساريًا أو يمينيًا، ما هي الكلمات الخمس التي تربطها تلقائيًا بالثقافة؟” فجاءت إجابات اليمينيين أكثر فردية إذ استخدموا كلمات مثل نمو، انفتاح الذهن، إثراء شخصي، بينما ركز اليساريون بشكل أكبر على مصطلحات تشير إلى المجالين “الاجتماعي والثقافي” مثل: ترفيه، تقليد، تعليم، معرفة…

وعندما طلب منهم التحدّث عن البطالة والفقر، استخدم المتطوّعون اليساريون مصطلحات لها علاقة بالوضع الاجتماعي مثل عدم المساواة في توزيع الثروات والتمييز بين الأفراد وقاموا بتحميل المسؤولية للسياسات الحكومية، في حين أعاد اليمنيون المشكلة إلى أسباب فردية موجّهين اللوم إلى الأشخاص وعدم معرفتهم باقتناص الفرص وسوء إدارتهم للأمور وقلّة الحوافز لديهم وافتقارهم للبراعة…

ثم في اختبار آخر طُلب منهم التعبير عن آرائهم حول ثلاث إيديولوجيات سياسية كبيرة: الفاشية، الليبرالية، والماركسية، وتمّ تسجيل أقوالهم ثم كتابتها قبل تحليلها بواسطة الكمبيوتر، فتبيّن أن الأشخاص ذوي التوجه اليميني استخدموا كلمات لها علاقة بالسجل الفردي مثل: ناس، أشخاص، نساء، رجال، عائلة، موظف، ديانة…

أما في الشخصيات التاريخية فغالبيتهم ذكر ديغول، بينوشيه، هتلر، على خلاف الأشخاص ذوي التوجه اليساري الذين استخدموا مفردات تحليلية وتوصيفية مثل: ممارسة، مثالي، ثقافة، نضال، نظرية، مفهوم، خطاب، طبقة، عقيدة، تكوين، مبادئ، مفاهيم، أوروبا، عناصر، نظام، نظريات… إضافة إلى رأسمالية، اقتصادي، اجتماعي، قرن، سنوات، تاريخي… ليستنتج مارشان أنّ “النمط المعرفي لليسار يأتي بناءً على اعتبارات اجتماعية وثقافية ومن خلال الاستعانة بمفاهيم مجردة نوعًا ما، بينما يفضل النمط المعرفي لليمين التفسيرات التي تعتمد على نفسية الشخص ومسؤوليته الفردية.

“اليمين “فردي” بينما اليسار “شعبوي

الصحافة في الأنظمة الشيوعية شعبوية بينما في الأنظمة الليبرالية فردية

في دراسة تناولت الفرق بين الصحافة في الصين والولايات المتحدة، تبيّن أن الصحافيين الأميركيين يقومون بنقل وتحليل الأحداث التي تحصل في بلادهم مثل جرائم القتل والاغتصاب والسرقات بطرق أكثر شخصية، بينما يعتمد الصحافيون الصينيون طرقًا أكثر ظرفية، إذ تبيّن بعد أن قام معدّو هذه الدراسة بتحليل المقالات الصحفية المتعلّقة بالقضايا الجنائية التي تمت محاكمتها في كل من الولايات المتحدة والصين، فتبيّن أن الصحافة الصينية تتطرّق إلى ظروف حياة المتهم، وأصله الاجتماعي والعرقي، بينما اكتفت المقالات الأمريكية بتحليل شخصية المتهم ودوافعه وانحرافاته الشخصية.

هل تلعب الجينات دورًا في تحديد ميول الفرد السياسية؟

على الرغم من عدم وجود أي دليل يدعم هذه النظرية إلا أن بعض الباحثين رأوا أنه من الممكن أن تكون ثمّة سمات عميقة قد تُكتسب خلال الطفولة المبكرة أو حتى تحت تأثير بعض الجينات.

إلا أن هناك فرضية ثانية قد تكون أكثر عقلانية لها علاقة بالإرث الثقافي الناتج عن حلقات مفصلية في التاريخ السياسي، بحيث اعتبرت أنّ التفكير يساريًا كان أم يمينيًا، يتشرّبه الفرد من خلال تفاعله مع الأفكار والنقاشات كما للجغرافيا والديانة والبيئة والمحيط … دور في ذلك، وكل ذلك لا ينتقل إذا لم يكن هناك حدّ أدنى من الالتزام السياسي.

وعلى الرغم من أن الباحثين أكدوا أن ثمّة اختلافات في القيم وأنماط التفكير بين اليمين واليسار، إلا أنه من الملاحظ أن هذه الاختلافات لم تعد بارزة كما كانت في الماضي، وإذا كان ثمّة اختلاف فقد يكون بهدف الحاجة لتحديد الهوية والتواصل مع الآخرين.

وثمّة سؤال مشروع حول المواطن في عالمنا العربي الذي تنقصه الثقافة السياسية عما إذا كان سيتوصّل في يوم ما إلى تكوين أيدولوجية سياسية حرّة وموضوعية بعيدًا عن الاصطفافات الدينية أو المذهبية أو الإقطاعية؟

المقال السابق
بايدن يتحدث غدًا عن "نهاية عمله"!
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

فضائح جنسية تطيح بوزيرين في البرازيل وايطاليا!

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية