معه حق ر ئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزف عون. حجج إسرائيل لتبرير مواصلة احتلالها التلال الخمس في المنطقة الحدودية اللبنانية واهية. ففي ظل ما تملكه من قدرات تجسسية ثبت تفوقها خلال حرب “وحدة الساحات” التي كان “حزب الله” قد أعلنها، لا قيمة استراتيجية تُذكر لنقاط كهذه.
ولا ينفرد الرئيس عون بهذا التقييم لمواصلة إسرائيل احتلال أجزاء من الأراضي اللبنانية، في خرق لاتفاق وقف إطلاق النار الموقّع مع لبنان، بل يقاسمه الرؤية نفسها ضباط إسرائيليون كبار ومحللون استراتيجيون عدة أعربوا عن قناعاتهم في وسائل الإعلام الإسرائيلية، بينها “معاريف” على سبيل المثال لا الحصر، في مقال كتبه الثلاثاء آفي أشكينازي، المقرب من قيادة المنطقة الشمالية في إسرائيل.
وعليه، لماذا أبقت إسرائيل على مراكز عسكرية لها داخل لبنان؟ لهذا تفسيرات عدة، من بينها: أوّلاً، تريد الحكومة الإسرائيلية أن تُفهم اللبنانيين أنّ “المقاومة الإسلامية في لبنان” أصبحت “صانعة احتلال” ولم تعد مطلقاً “عامل تحرير”.
ثانياً، إفهام المجتمع الدولي عموماً واليونيفيل خصوصاً أنّ أصبع إسرائيل على الزناد، وهي مستعدة للعودة إلى الحرب فوراً، في حال لم تنفذ هي والجيش اللبناني اتفاق إخلاء جنوب نهر الليطاني من أي وجود عسكري لـ”حزب الله” ، تحت أي مسمّى، ولم تتم مواصلة إجراءات منع إعادة تسليح الحزب وتمويله.
ولكن، على أهمية هذه التفسيرات، فهي ليست “بيت القصيد”، فهدف إسرائيل الرئيس يتمحور حول إبقاء الدولة اللبنانية في وضعية “ركيكة”، بحيث تبقي مكوّناتها في صراع مستمر، من شأنه إضعاف الحكومة المركزية.
ومن دون شك، فإنّ إقدام إسرائيل، وخلافاً للاتفاقيات والمقررات الدولية، على احتلال أراضٍ لبنانية، يضع الدولة اللبنانية أمام خيارين صعبين، فإمّا أن يدفعها إلى اعتماد القوة التحريرية، وهي عاجزة عن ذلك بسبب الاختلال الفظيع في ميزان القوة، وإما يجعلها ضعيفة أمام مطلب “حزب الله” الاحتفاظ بسلاحه والتهاون مع محاولات إعادة تزخير مخازنه، ما يضعف شرعيتها الدولية.
وليس سرّاً أنّ إسرائيل لا ترغب في أن تنشأ في لبنان دولة قوية، وعلى تناغم مع مكوناتها ومحيطها والمجتمع الدولي، طالما هي على حالة عداء مع إسرائيل، وتالياً فإنّ شرطها ليحقق اللبنانيون تطلعاتهم في دولة تستحق اسمها أن تكون “بلاد الأرز”، في حالة سلام مع إسرائيل.
وما من نموذج يمكنه أن يفسر أهداف إسرائيل في لبنان سوى ما يحصل في غزة، فالحكومة الإسرائيلية ترفض البديل الطبيعي لـ”حماس”، أي السلطة الفلسطينية، بحيث يبدو واضحاً أنّها ترغب في إلغاء هذه السلطة، بعدما أضعفتها على مدى عقود، أكثر مما ترغب في القضاء على “حماس”.
وبهذا المعنى، فهي لا تريد سلطة فلسطينية تحظى بمقبولية عالمية يمكنها أن ترفع المطالب الفلسطينية في المنتديات الإقليمية والدولية، بل تريد أن تضع الفلسطينيين أمام خيارات مُرّة، حتى قيام جماعة تريد سلاماً مع إسرائيل مبنياً على الأمان وليس على الحقوق.
ما الحل، والحال هكذا؟ من دون شك، يفترض بالسلطة اللبنانية أن تعمل على تفويت الفرصة على تحقيق أهداف إسرائيل، ولديها ما يكفي من قوة معنوية ودعم دولي للنجاح في ذلك.
خريطة الطريق نحو تفويت هدف إسرائيل واضحة لا لبس فيها، فمزايدات “حزب الله” لا تجدي نفعاً، فهو خاض حرباً تحت عنوان “فتح طريق القدس”، وبات يعلن الانتصار إن تمكن الجيش اللبناني من فتح طريق مركبا، مثلاً، وهو، منذ عام 2000 يتحدث عن تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، فإذا به بات يتطلع أن تحرر الدولة اللبنانية التلال الاستراتيجية الخمس التي احتلتها إسرائيل، أخيراً.
في مقابل سقوط مزايدات “حزب الله” هذه، يقع على عاتق السلطة اللبنانية تعزيز علاقاتها العربية والدولية، وتنشيط المسار الديبلوماسي، بقوة لامتناهية، من أجل الدفع في اتجاه تحرير الأراضي التي جرى احتلالها حديثاً، على أن يترافق ذلك مع إع ادة بناء الدولة، وفق الأبعاد السيادية التي تضمنها البيان الوزاري لحكومة نواف سلام وخطاب القسم لرئيس الجمهورية العماد جوزف عون.
إسرائيل، بما أنّها دولة معادية، يحق لها أن تفعّل ما ترتئيه من مؤامرات، من أجل إضعاف لبنان، ولكن من واجبات لبنان، في المقابل، أن يعمل بلا كلل، من أجل الخروج من دوّامته التاريخية، مستفيداً من المعطيات الجيو- سياسية الجديدة!
إن تمكن لبنان من التزام خريطة الطرق هذه… انتصر!