يتحدث أكثر من مسؤول لبناني رفيع المستوى نقلاً عن مسؤولين غربيين عن احتمال إطالة أمد الحرب في الجنوب لأشهر عدة. وتتقاطع هذه التقديرات مع قول رئيس مجلس الامن القومي الإسرائيلي تساحي هانغبي ان القتال في غزة سيستمر 7 أشهر أخرى على الأقل. لكن ما يتردد على ألسنة المسؤولين اللبنانيين الذين يقابلون نظراءهم في عدد من الدول الغربية ان نهاية الحرب في غزة ستكون بتسوية شاملة، يخرج بموجب احد بنودها آلاف المقاتلين من حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” وبقية الفصائل المقاتلة الى خارج غزة. وبحسب ما يتردد في بيروت ان دولاً مثل العراق واليمن ستعلن استعدادها لاستضافتهم، تماما كما جرت استضافة آلاف المقاتلين والقادة الفلسطينيين بعد اجتياح بيروت عام 1982. لكن ما يقلق هو المسار الذي سيتبع خروج هؤلاء من غزة، حيث ان التقديرات تشير الى ان الوجهة النهائية لهؤلاء لن تكون اليمن ولا العراق ولا حتى ايران، بل لبنان عبر سوريا. فقسم منهم سيتمركز في سوريا، لكن القسم الأكبر سيتم توجيهه من دون الإعلان عن ذلك الى لبنان، فيما ستكون مقرات إقامة القادة الرئيسيين مثل يحيى السنوار، ومحمد الضيف وآخرين متنقلة بين الدول المشار اليها آنفاً ولبنان، مخافة ان يتم اغتيالهم من قِبل الموساد الإسرائيلي.
لن يكون في مستطاع القوى اللبنانية التي تعارض تهجير المقاتلين الى لبنان، منع حدوث ذلك نظراً لان “#حزب الله” سيكون الضامن الأمني لوجود هؤلاء على الاراضي اللبنانية وقسم من الأراضي السورية، لاسيما في ريفَي دمشق وحمص حيث يسيطر الحزب المذكور مع فصائل إيرانية أخرى على مساحات واسعة من الأراضي المتاخمة للحدود مع لبنان. لن يكون في مقدور الحكومة الحالية او أي حكومة مقبلة الاعتراض او منع دخول آلاف المقاتلين الى لبنان. وفي حال انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وكان وسطيا، فسيمارس إزاء المسألة سياسة النعامة، اما اذا كان من فريق الممانعة فإنه سيمارس دور الحارس لمصالح “حزب الله”، او كما قال الأمين العام للحزب في احدى اطلالاته سيقوم بحماية ظهر المقاومة.
هذا السيناريو ليس خياليا. ولا هو مستحيل الحدوث. فمن يعاين حال لبنان اليوم في ظل سيطرة “حزب الله” التي استتبت منذ العام 2014 مع سياسة “ربط النزاع” وترسخت عام 2016 مع انتخاب الرئيس السابق ميشال عون، يدرك تماما ان لبنان لم يعد لبنان الذي عرفناه قبل غزوات 7 و11 أيار 2008، واتفاق الدوحة الذي تلاه. لقد جرى تسليم لبنان الى “حزب الله” على مراحل، حتى انعدمت كل مقومات المعارضة الممكنة إما على الأرض، وإما بالسياسة والموقف. والحال ان تواطؤ البعض، واستسلام البعض الآخر، و غباء البعض الثالث أوصل لبنان الى ما نحن عليه اليوم.
فـ”حزب الله” يخوض من تلقاء نفسه منذ سبعة اشهر متتالية حرب استنزاف مع إسرائيل غير عابئ بالموقف اللبناني العام المعارض لهذه الحرب العبثية والخطرة على كل لبنان. ومعظم الطاقم الحاكم يمارس سياسة الكذب والتدليس والممالأة مؤثرا التملق او الصمت. من هنا فإن من ينظر الى حال لبنان اليوم لن يفاجأ اذا ما أتى يوم ورأينا فيه وصول الآلاف من مقاتلي فصائل غزة وعلى رأسهم قادتهم ليستقروا في لبنان باعتباره اقرب الساحات الى فلسطين، ليتحول ثقلهم في الساحة اللبنانية الى جزء من ميزان اختل كثيرا الى حد ان كثيرين ما عادوا يؤمنون بكذبة العيش المشترك مع مشروع “حزب الله”.
هذا هو ثمن التنازل عن الوطن والكيان.
النهار