موناليزا فريحة
تعطي إيران اليوم إشارة الانطلاق لانتخابات رئاسية تهدف إلى اختيار خلف للرئيس إبراهيم رئيسي الذي قضى مع وزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان ومسؤولين آخرين في حادث تحطم طائرة هليكوبتر في 19 أيار (مايو) الجاري.
وتبدأ وزارة الداخلية الإيرانية منذ ساعات الصباح الأولى وحتى الاثنين المقبل تسجيل المرشحين للانتخابات الرئاسة المقررة في 28 حزيران (يونيو)، على أن ينظر مجلس صيانة الدستور، الهيئة التي يختار المرشدُ الأعلى نصف أعضائها، في طلبات المرشحين.
وعقّد مقتل رئيسي جهود السلطات الإيرانية لإدارة المهمة الأكثر تعقيداً والمتعلقة باختيار خلف للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي البالغ من العمر 85 سنة، والذي تتحدث تقارير منذ سنوات عن اعتلال صحته.
ويقول محللون إن خامنئي يسعى إلى انتخاب رئيس موال له لإدارة البلاد لضمان الاستقرار وسط تجاذبات في شأن الخلف المحتمل له، بينما تعقد آمال على انفتاح، ولو جزئياً، يشجع الناخبين على التوجه إلى مراكز الاقتراع.
ويرهن الباحث والأكاديمي الإيراني الدكتور أمير دبير مهر، وهو رئيس “معهد الفكر والقلم (أنديشه وقلم) للدراسات والبحوث” في طهران، مسألة المرشحين بقيادة النظام (مؤسسة المرشد الأعلى)، وهو ما سيتضح من سياسة عمل مجلس صيانة الدستور وموقفه من صلاحية المرشحين.
ويقول لـ”النهار العربي”: “إذا كان رأي القيادة بوصفها المسؤولة عن السياسات العامة للنظام، هو تحقيق انفتاح سياسي بهدف إجراء انتخابات تنافسية وزيادة حجم المشاركة الشعبية، فسيُسمح بدخول وجوه إصلاحية إلى المعترك الانتخابي، مثل الرئيس السابق حسن روحاني، ووزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، ورجل الدين الإصلاحي وعضو مجلس تشخيص مصلحة النظام مجید أنصاري، والنائب الأول في حكومة روحاني إسحاق جهانجيري، ووزير العمل في حكومة روحاني محمد شریعتمداري، ورئيس البنك المركزي في حكومة روحاني ناصر همتي، ومحافظ أصفهان السابق والمسؤول الرياضي محسن مهر علي زاده، ونجل الرئيس رفسنجاني محسن هاشمي، وعضو مجلس تشخيص مصلحة النظام سيد محمد صدر”.
لكن يبدو أن الخيارات الأساسية تدور بين ظريف وجهانجيري، والبقية ليسوا على المستوى نفسه من القوة والجدية، وهم مَن يوصفون، بحسب الباحث، بمرشحي التغطية ومُسخّني سوق الانتخابات. وفي الطيف المقابل، أي التيار الأصولي (المحافظ)، فإن الخيارات المطروحة هي: رئيس البرلمان الحالي محمد باقر قاليباف، ومستشار المرشد علي شمخاني، ورئيس البرلمان السابق علي لاريجاني.
وفي رأي أمير دبير مهر، أن الحظ الأكبر سيكون لمصلحة قاليباف ولاريجاني بوصفهما مرشحين للمحافظين. أما مَن سيبقى إلى نهاية السباق الانتخابي، فذلك يعتمد على المفاوضات خلف الكواليس بين مراكز القوى.
وبخصوص المتشددين ومؤيدي الوضع الراهن، يعدد أسماء كثيرة مثل عضو المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية سعيد جليلي، ورئيس لجنة تنفيذ أمر الإمام سيد برفيز فتاح، ووزير الطرق في حكومة رئيسي مهرداد بذرباش، ومحافظ طهران علي رضا زاكاني. لكن يبقى سعيد جليلي هو الخيار الأساسي، والبقية ليسوا على المستوى نفسه.
وفي المحصلة، يمكن القول إنه إذا كانت الانتخابات تنافسية وجادة، فإن المنافسة الأساسية ستكون بين ظريف وجهانجيري وقاليباف ولاريجاني وجليلي. ولكن إن لم تتم تهيئة الساحة لدخول الإصلاحيين للمشاركة، فإن التنافس الأساسي سيكون بين الطيف المحافظ، لاريجاني وجليلي وقاليباف، ومن المحتمل أن يكون الفوز لمصلحة لاريجاني. ومن المرجح أن يؤدي تقييد الاختيار في الاقتراع إلى إضعاف اهتمام الناخبين وإبقاء نسبة المشاركة منخفضة، ما يزيد التشكيك الداخلي والخارجي في صدقية الانتخابات.
والمأزق مألوف في إيران. ففي سباق يخضع فيه المشاركون لتدقيق، فإن التحدي الذي يواجه المؤسسة الديني ة يتمثل عادة في تأمين نسبة إقبال عالية.
وهل يحق لمرشحين رفضت ترشيحاتهم سابقاً أن يحظوا بفرصة أخرى؟
من ناحية القانون، يقول أمير دبير مهر: “لا مشكلة، وثمة سابقة تتعلق بالرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، الذي استُبعد من قبل، ولكن في رأيي إن قرر المشاركة في الانتخابات هذه المرة، فمن المستبعد أن يحصل على صلاحية الترشح. والأمر نفسه سيكون بالنسبة إلى الرئيس السابق حسن روحاني”.
ومن المتوقع أن ينشر مجلس صيانة الدستور لائحة المرشحين المؤهلين للمشاركة في الانتخابات في 11 حزيران (يونيو).
أما في شأن تأثير الانتخابات الرئاسية على خلافة المرشد الأعلى فتتعدد التحليلات.
وورد في المادة 111 من الدستور الإيراني أنه، وفق مجلس الخبراء، إذا تنحى المرشد عن منصبه أو توفي أو عُزل، فإن المجلس مكلف أن يحدد ويعلن مرشداً جديداً في أسرع وقت. وإلى أن يُعلن اسم المرشد الجديد، يتولى مهمات الإرشاد كافةً مجلسٌ مشكّلٌ من رئيس الجمهورية ورئيس السلطة القضائية وأحد فقهاء مجلس صيانة الدستور الذي يتم اختياره من مجلس تشخيص مصلحة النظام.
ويتولى ذاك المجلس أيضاً مهمات الإرشاد موقتاً في حالة مرض المرشد الأعلى أو تعرضه لحادثة تجعله عاجزاً عن القيام بمهماته.
وقد أثبتت تجربة عام 1989 (عام رحيل المرشد الأول آية الله الخميني، وتعيين خامنئي خلفاً له في اليوم التالي 4 حزيران/ يونيو)، أن مجلس الخبراء لم يعجز عن انتخاب مرشد جديد حتى يحتاج إلى المجلس المذكور السابق.
وبناءً عليه، يرى أمير دبير مهر، أنه لن يكون لنتيجة الانتخابات الرئاسية تأثير كبير على اختيار المرشد الأعلى المقبل، إن كانت ثمة حاجة لمرشد جديد.
وكان أحد المصادر في إيران قد رأى أن “الهدف الأساسي يجب أن يكون تأمين انتخاب رئيس شديد الولاء للمرشد الأعلى ومبادئه”، وأن “انخفاض نسبة إقبال الناخبين سيضمن ذلك حتماً”.
وتنسب”رويترز” إلى مصدر مطلع قوله إن هدف الانتخابات الرئاسية هو فوز رئيس متشدد قادر على تأمين انتقال سلس في قمة السلطة، بعد وفاة خامنئي.
ويقول محللون آخرون إن الانتخابات المقبلة من المرجح أن يهيمن عليها متشددون لديهم وجهات نظر مماثلة لضمان أن الفائز هو من أشد الموالين لخامنئي.
النهار العربي