أن يصبح حزب “التجمع الوطني” بزعامة مارين لوبين أقوى حزب في فرنسا، فهذا ليس “يوم القيامة”، كما يسعى خصومه الى تصوير الواقع، بعد صدور نتائج الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية المبكرة، بل هو يوم مفصلي لن تكون فرنسا بعده، كما كانت عليه قبله.
فرنسا التي طالما قاومت حتى لا تواجه حقيقة تعتمل فيها، إستسلمت. لم يتعبها فقط إيمانويل ماكرون الذي لا يسمع إلا لنفسه ولا يطرب إلّا لأفكاره ولا يصدّق أي حقيقة تتناقض وأحلامه، بل أتعبها أيضًا تاريخها الذي لم تصدّق باريس أنّ الزمن طواه، وأنّ ملاقاته تحتاج الى قدرات لم تعد متوافرة لديها.
لم ينتخب اليمين المتطرّف المؤمنون بعظمة فرنسا، بل المقتنعون بتواضعها. انتخب اليمين المتطرف كل من يعتقد بأنّ فرنسا غير قادرة على استيعاب اللاهثين الى الحرية والعمل والحياة في العالم، وكل من يعتقد بأنّ بلاده لا يمكن أن تتحمّل الإختلاف الديني والثقافي والعرقي، وكل من لا يريد أن يقرأ في القرن الحادي والعشرين “تسامح” فولتير الذي صنع ثورة فكرية في القرن الثامن عشر، وكل من يظن أنّ الذات أهم من الأمة، وأنّ الإنغلاق أجدى من الإنفتاح!
من انتخب اليمين المتطرّف، في الانتخابات الأوروبية وفي الدورة الأولى من دورتي الانتخابات التشريعية، ليسوا الأغبياء ولا التائهين، بل المتعبين!
أتعبتهم أحزاب تقليدية لم تقدّم جوابًا مقنعًا عن أي من مشاكلهم المتراكمة. أحزاب تريد أن تحل مشاكل الشرق الأوسط وإفريقيا وأوكرانيا وروسيا والصين، وهي عاجزة عن أن تصحح الخلل في أقسام الطوارئ في المستشفيات، وفي نقص الطبابة في الريف، وفي ارتفاع الفقر بين المزارعين، وفي اختلال السلطة في المدارس، وفي تدهور الأمن في الشوارع، وفي الإختلال الفظيع بين أرباح رأس المال ورواتب العمّال!
اليمين المتطرّف تطوّع لهذه المهمات على حساب الأدوار الخارجية التي ثبت مع ماكرون أنّها لم تعد تليق بفرنسا لأنّها لم تعد لها الكلمة الوازنة ولا الدور المؤثر ولا الهيبة اللازمة.
لا أعرف ما الذي سوف تخسره فرن سا من تتويج اليمين المتطرّف القوة الأكبر فيها. جل ما أعرفه أنّها سوف تتعلّم التواضع والواقعية، بدءًا برئيسها الذي سيجد نفسه مضطرًّا أن يُخلي عرش “جوبيتر”!