اتهم سياسيون فرنسيون من مشارب مختلفة رئيس جمهوريتهم ايمانويل ماكرون باعتماد معادلة: “أنا أو الفوضى”!
جاءت هذه التهمة على خلفية حل ماكرون الجمعية العمومية (البرلمان)، في ضوء التفوّق الكاسح، في الانتخابات الأوروبية، لحزب “الجبهة الوطنية” الذي تتزعمه مارين لوبن، وتوجيه الدعوة الى إجراء انتخابات نيابية جديدة في السابع والعشرين من حزيران (يونيو) الجاري والسابع من تموز (يوليو) المقبل.
بالنسبة لكثيرين، فإنّ ماكرون، بدعوته الى انتخابات نيابية بفارق زمني بسيط عن الانتخابات الأوروبية، يقدم البرلمان والحكومة في آن على طبق من فضة الى “الجبهة الوطنية” التي يتعامل معها خصومها على قاعدة أنها فصيل سياسي يميني متطرف، في حال رفضت القوى السياسية الأخرى الانضواء تحت رئاسته وإعادة الاعتبار اليه!
كان الجميع يفضل أن يقبل ماكرون بالهزيمة مؤقتًا، ويعطي القوى السياسية وقتًا أطول لالتقاط أنفاسها، بحيث يرجئ قرار حل الجمعية الوطنية الى ما بعد انتهاء الألعاب الأولمبية التي تستضيفها بلاده بين 26 تموز (يوليو) و11 آب (أغسطس) المقبلين، ولكن ماكرون، وبالإستناد الى حسابات خاصة به، فاجأ الجميع بقرار الدعوة الى انتخابات نيابية عاجلة.
ولا يفترض أن تكون نتائج الانتخابات الأوروبية قد فاجأت ماكرون، بل كان، وإن حاول عبثًا أن يخفف مستوى هزيمته، يتوقعها، وتاليًا، فإنّ قراره الذي أحدث زلزالًا سياسيًّا في فرنسا، كان قد اختمر في ذهنه، قبل أسابيع عدة من إعلانه!
ولكن، هل تصيب حسابات ماكرون، وينجح، بالتعاون مع “معتدلي” اليمين واليسار، في منع “الجبهة الوطنية” وحلفائها من الحصول على أكثرية مطلقة في الجمعية الوطنية، وبالتالي الحيلولة دون تشكيل حكومة تفرض ” نظام المساكنة” على البلاد بين توجهين متناقضين؟
في الإشارات الأولى التي صدرت قبل اقفال باب الترشيحات، وتشكيل “الجبهة الشعبية” من تحالف اليسار الفرنسي لمواجهة “الجبهة الوطنية”، بدا أنّ الفوضى سوف تحل مكان ماكرون.
الأسواق أعطت إشارة الإنطلاق، فمقابل هذا التموضع الذي يظهر بأنّ “حزب الرئيس” سوف يصبح أقلية في الجمعية العمومية، تراجعت البورصة وارتفعت الفائدة على سندات الخزينة.
بالنسبة للأسواق، تبدو برامج اليمين “المتطرف” واليسار الذي يضم المتطرفين ، “خطرة” بالنسبة لوضع فرنسا الاقتصادي والمالي، إذ إنّ الخزينة لا تحتمل وعودًا إنفاقيه جديدة، والمناخ الاستثماري لا يستغيث رفع مستوى الضرائب على الأثرياء، والوضع الاقتصادي لا يحتمل التراجع عن قوانين عدة من بينها تقليص عمر التقاعد مجددًا!
ويبدو أنّ كلمة الأسواق تفاعلت لمصلحة وجهة نظر ماكرون، بحيث استنفرت “اللوبيات النفعية” جهودها وبدأت تضغط لمصلحة ماكرون في أوساط معتدلي اليسار واليمين.
كما أنّ نزول “اليسار” الى الشارع، للتظاهر ض د انتصار “الجبهة الوطنية”، مع ما رافق ذلك من تخريب، أعطى إشارة الى الجميع بأنّ انتصار “الجبهة الوطنية” في الانتخابات التشريعية، سيكون له عواقب وخيمة على حياة الفرنسيين، لأنّ قوى اليسار قادرة على شل البلاد، سواء عبر التظاهرات أو عبر النقابات العمالية.
وسمح هذا بإدخال كثير من التعديلات على توجهات قوى الإعتدال، بحيث بدت “متواطئة” لتوفير مناخات مؤاتية لمصلحة مرشحيها، ولو كانوا من مشارب مختلفة.
وعليه، فإنّ “الحزب الرئاسي” لم يرشح منافسين لأكثر من ستين شخصية “معتدلة” كانت عودة بعضها الى المعترك الانتخابي مفاجئة جدًا، كما هي حال الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند الذي ترشح للانتخابات النيابية في دائرة امتنع “الحزب الرئاسي” عن ترشيح منافس في وجهه، بحيث تسهل معركته في مواجهة مرشح الجبهة الوطنية.
حاولت كل من “الجبهة الوطنية” و”الجبهة الشعبية” حصر المعركة الانتخابية بينهما، وتهميش “الحزب الرئاسي”، على اعتبار أنّ ذلك يضع الفرنسيين أمام خيار من إثنين. المعتدلون اليمينيون واليساريون، رفضوا ذلك. أصابهم هذا السيناريو بالرعب. بدا الأمر، بالنسبة لهم، كالمستجير من الرمضاء بالنار، ولذلك، وعلى الرغم من مآخذهم على ماكرون، وجدوا الحل بالتواطؤ معه.
وفي حال تفاعلت القواعد الشعبية مع هذا المنحى، فإنّ الرئيس الفرنسي قد يكسب رهانه، فتتجنب باريس التي تأكلها الهموم الفوضى، على أن ينسى الجميع ضعفه، إذ سوف تسرق الألعاب الأولمبية وتحدياتها الأمنية واللوجستية والتقنية والفنية، الأضواء!