ا ستقبلت المنشآت الطبية في غزة، خلال الأيام الماضية، عددا هائلا من القتلى والمصابين، بشكل فاق قدرتها؛ فعاش الأطباء والمسعفون تحديات ومخاطر نفسية وجسدية “استثنائيّة”.
قتل عدد من أفراد الأطقم الطبيّة وأصيب آخرون، تحت وطأة القصف الإسرائيلي المتواصل على القطاع منذ أن شنت حماس هجوما على بلدات جنوبي إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وأثناء تقديم خدمات الإسعاف، صُدم كثيرون وهم يستقبلون جثامين لأفراد من عائلاتهم أو مصابين من معارفهم.
وقال محمد أبو سلمية، مدير مجمع الشفاء الطبي في غزة، في اتصال مع بي بي سي، إن “الأطباء والمسعفين وطواقم التمريض يعملون في ظروف استثنائية شديدة الصعوبة بسبب الكم الهائل من المصابين والقتلى، فضلا عن كونهم لم يغادروا المستشفيات بسبب قصف منازلهم أو تهجيرهم”.
وكانت منظمة الصحة العالمية ومؤسسات إغاثة دولية قد حذرت من تردي وضع النظام الصحي الذي وصفته بالـ”كارثي”، جراء نقص الإمدادات الطبية ووقوع خسائر في المنشآت الصحية.
وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية عن فتح باب التطوع “لكل من يحمل مزاولة مهنة في التخصصات الصحية المختلفة، بالإضافة إلى المسعفين”.
وتجاوز عدد القتلى الفلسطينيين جراء الغارات الإسر ائيلية على القطاع، سبعة آلاف قتيل، من بينهم نحو ثلاثة آلاف طفل، ونحو 1700 امرأة، فضلا عن إصابة ما يزيد على 17 ألف مواطن بجروح مختلفة، وفقا للوزارة.
“لن نغادر أماكن عملنا رغم كل التحذيرات والخوف”
تقول وزارة الصحة الفلسطينية إنها رصدت ما يزيد على 250 حالة “اعتداء” على الكوادر الطبية، و69 حالة “اعتداء” على منشآت صحية.
وأعلنت في أحدث بيان لها عن مقتل 73 من أفراد الطاقم الطبي، وإصابة ما يزيد على 100، كما تحدثت عن “استهداف” ما يزيد على 50 سيارة إسعاف بطواقمها، وخروج نحو 25 منها من الخدمة.
علما أن القانون الإنساني الدولي يحمي المستشفيات والمدارس والمدنيين وعمال الإغاثة.
ويكرر الجيش الإسرائيلي تحذيراته إلى جميع من يوجد شمالي القطاع بالتوجه إلى جنوب وادي غزة، “من أجل سلامتهم”، وتقع مدينة غزة إلى الشمال من وادي غزة، وعلى جنوبه تقع مدينة دير البلح.
المدير الطبي بمستشفى الإندونيسي في غزّة، مروان السلطان، تحدّث عن “ضغوطات إضافية” يعيشها أطباء ومسعفون بسبب دعوات إسرائيل لإخلاء المستشفيات.
لكنه يقول إن “الفريق الطبي صامد. لن نغادر أماكن عملنا رغم كل التحذيرات والخوف، المستشفى تلقى تهديدات بالإخلاء، لكننا لا نستطيع مغادرته فهناك العديد من المصابين والمرضى على أجهزة التنفس الصناعي”.
وأضاف: “واجهنا حروبا سابقة، لكن هذه الحرب مختلفة، إنها حرب تستهدف مدنيين، كما تستهدف فرقا طبية بدون تحذير مسبق”.
ويقول أيضا محمود بصل، المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة، في اتصال مع بي بي سي، إن هناك “استهدافا” للأطباء والمسعفين أثناء تقديمهم خدمات الإغاثة، مما يعرقل جهود إنقاذ المصابين في الوقت المناسب.
ويضيف: “استهداف الكوادر الطبية والإغاثة غير مسبوق، كما سقط 14 من العاملين في صفوف الدفاع المدني، فضلا عما يزيد على 50 مصابا أثناء تقديم خدمات الإنقاذ والإسعاف والإطفاء”.
وقال محمد أبو سلمية، مدير مجمع الشفاء الطبي، إن صعوبات تقديم الخدمات الطبية في ظل هذه الظروف “تغذيها صعوبات نفسية وإنسانية أخرى غير مسبوقة أيضا أثناء تقديم الرعاية الصحية”. وتحدث عن عاملين في فرق طبية استقبلوا قتلى أو مصابين من أفراد عائلاتهم ومن أصدقائهم. “رأينا من صُدم أثناء عمله عندما استقبل جثة زوجته التي ماتت في القصف، وآخر استقبل جثة ابنه وكان في وضع نفسي صعب للغاية”.
“رأينا أحد المسعفين استقبل شقيقه المصاب في القصف ووضعه على جهاز تنفس صناعي لإنقاذه لكنه فارق الحياة أمامه. لم يقتنع الرجل بأن شقيقه مات، وظل يحاول إسعافه ساعتين رافضا تقبل فكرة موته هكذا أمام عينيه”.
ويذكر المدير الطبي بمستشفى الإندونيسي أن الفرق الطبيّة، فوق كل الضغوط، تتعامل مع حالات صحيّة صعبة للغاية.
“الأطباء والمسعفون في حيرة من أمرهم؛ بين الخوف من القصف الذي يضرب مناطق محيطة بالمستشفيات التي يعملون بها، وبين صمودهم أمام هذا الخطر الداهم على حياتهم من أجل إسعاف المصابين رغم بشاعة الإصابات في كثير من الأحيان وما يشكله ذلك من عبء نفسي آخر على الفريق الطبي”.
وأضاف: “يتعامل الأطباء والمسعفون مع حالات إصابة صعبة للغاية، من بينها كثير من حالات بتر أطراف وحروق من الدرجة الرابعة وإصابات في الرأس، إنها إصابات خطيرة يصعب على العاملين أنفسهم التعامل معها في ظل ضعف الإمكانات المتاحة”.
وقال: “رغم قلق وخوف الطواقم الطبية، وغموض المشهد أمامهم تحت وطأة القصف المستمر، إلا أنهم جميعا يعملون بتماسك دون الامتثال لأي تهديدات من أي نوع، فمغادرة الأطباء أماكنهم تعني كارثة أخرى ستحل بالمرضى والمصابين”.
حولت مستشفيات إلى مراكز إيواء للنازحين الفلسطينيين، الذين تهدمت بيوتهم في القصف أو خسروها بسبب مطالبتهم بالإخلاء.
وقال أبو سلمية، مدير مجمع الشفاء الطبي: “النازحون باتوا يشكلون ضغوطا إض افية على العاملين في المرافق الطبية التي باتت تواجه بالفعل مشكلات من بينها النظافة فضلا عن شح المياه والغذاء والكهرباء والوقود”.
وأضاف: “نلجأ إلى ترشيد استهلاكنا حتى يتمكن الأطباء والمسعفون من التغلب على تحدياتهم المهنية ومواصلة تشغيل أقسام طبية حساسة بالمستشفى مثل العناية المركزة وغرف العمليات الجراحية وحضّانات الأطفال ووحدات غسيل الكلى وتوليد الأكسجين لأن جميع هذه الأقسام لا تعمل بلا كهرباء”.
(بي بي سي)