قبيل فتح صناديق الإقتراع التي انتهت بإعلان فوز “الإصلاحي” مسعود بزشكيان، ق دم الصحافي الإيراني المحسوب على معارضي النظام، محسن مهيمني تصوّرًا للرئيس الجديد مبنيٍّا على تاريخه الذي يتناقض وما أعلنه من مواقف خلال حملته الإنتخابية. جاء فيه الآتي:
ينص ما يُسمى قانون “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” في إيران، الذي اقترحه المرشح الرئاسي، مسعود بزشكيان، على فرض غرامات مالية ونفي وسجن المواطنين، عند مقاومة ومواجهة تدخل رجال الأمن في طريقة لباس المرأة وظهورها في المجتمع.
وأقر البرلمان الثامن في تاريخ إيران هذا القانون، ليس بضغط الأصولي المتشدد، سعيد جليلي، أو “لوبي” محمد باقر قاليباف، بل كان باقتراح ممثل تبريز في البرلمان، مسعود بزشكيان.
وبعد مرور 14 عامًا على إقرار هذا القانون وفرضه على المجتمع، أصبحت مسألة حقوق المرأة، خاصة حرية الملبس، في الأماكن العامة، هي القضية الحاسمة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية.
وكان على المرشحين في هذه الانتخابات أن يوضحوا موقفهم من ثلاث قضايا حاسمة، وهي: حقوق الإنسان، خاصة حرية المرأة في الملبس، وركائز السلطة، وعلى وجه الخصوص الحرس الثوري الإيراني، والسياسة الخارجية، فيما يتعلق بخلق التوتر ضد الغرب.
والآن بعد أن انتقلت الانتخابات إلى المرحلة الثانية بعد مقاطعة كبيرة وتصويت منخف ض على خيارات مجلس صيانة الدستور الإيراني، استخدم الإصلاحيون المؤيدون للمرشح مسعود بزشكيان “تكتيك” الاستقطاب في الفضاء الإلكتروني، ويعتقدون أن سر فوزهم هو إثارة الخوف من فوز الأصولي المتشدد، سعيد جليلي.
وبالنظر إلى سجل تمثيل بزشكيان في البرلمان الإيراني، وهو معيار أفضل للحكم على أدائه في موقع السلطة، يتبين أنه إذا فاز بسباق الرئاسة، فإنه سيستمر على الوضع نفسه والخط الحالي في المجالات الثلاثة: الحجاب والحرس الثوري الإيراني والعلاقات مع الغرب، وليس ما يريده غالبية المواطنين.
التوقيع الأول: مقترح لدعم فرض الحجاب الإجباري وافق البرلمان الإيراني على هذا المقترح في يونيو (حزيران) عام 2010، وهي خطة وقّع عليها بزشكيان مع 102 من أعضاء البرلمان الآخرين، بمن في ذلك شخصيات متطرفة مثل ستار هدايت خاه، الذي تحدث ضد قتلى الاحتجاجات عام 2009، ومنع التحقيق في حادثة كهريزك.
وتدعو هذه الخطة إلى التذكير الشفهي والكتابي وتقديم الشكاوى إلى السلطات الحكومية بشأن القضايا المثيرة للجدل، مثل: “الحياء العام” و”الأمن الاجتماعي” و”القيم والحدود الإسلامية” باعتبارها “واجب الجميع”، وفي المرحلة التالية يضطلع النظام بتطبيقها بمفرده.
وينص مقترح القانون، الذي وافق عليه بزشكيان، على السماح بالحكم على المواطنين بالغرامات المالية والسجن والنفي، وهو السبب الرئيس لحرب الشوارع ضد النساء في إيران.
وعلى الرغم من دوره في إقرار مثل هذا القانون، فإن مسعود بزشكيان ظهر في المناظرات الانتخابية الرئاسية كأنه مناصر للمرأة وضد فرض الحجاب، ويحاول استقطاب المحتجين من خلال اختيار عبارات تبدو أنها ضد شرطة الأخلاق ودورها، لكن مضمون عباراته يحمل إنكار حرية المرأة وحقها في الملبس، وهو يسير يدًا بيد مع النظام في هذا الاتجاه، بأن عدم ارتداء الحجاب أمر غير مرغوب فيه، والفرق الوحيد هو أنه يناقش طريقة فرضه.
وإذا دققنا في خطاب وسجلات بزشكيان يتبين لنا أنه ليس مع حرية لباس المرأة، كما يحاول أنصاره ومؤيدوه الإصلاحيون تقديمه والترويج له، كما أنه ليس ضد دورية شرطة الأخلاق، ولكن المشكلة، كما يؤكد هو نفسه، هي أن خطة “نور” لقوات الشرطة كان ينبغي تنفيذها بشكل تجريبي في مدينة أو محافظة.
التوقيع الثاني: تعزيز الحرس الثوري الإيراني يكشف توقيع آخر لـ “بزشكيان” في البرلمان الإيراني عن موقفه بمن الركائز الأساسية للسلطة.
عندما صنفت الحكومة الأميركية الحرس الثوري، منظمة إرهابية، في عام 2019، ألزم “بزشكيان”، بصفته نائبًا في البرلمان، النظام الإيراني باتخاذ إجراءات في إقرار ما يُسمى “تعزيز موقع الحرس الثوري الإيراني ضد الولايات المتحدة”، مما أدى إلى مزيد من تصاعد التوتر بين إيران والولايات المتحدة.
وتصف هذه الخطة القوات العسكرية والاستخبارات التابعة للولايات المتحدة بـ “الإرهابية”، وتلزم الحكومة الإيرانية بمواجهتها، فضلًا عن عرقلة التعاون بين الولايات المتحدة ودول المنطقة في مجال التبادل المالي والمنشآت والمعدات.
ومما لا شك فيه أن تعزيز وتطوير الحرس الثوري الإيراني في العقود الأخيرة كان ممكنًا وميسرًا من خلال الدعم الحكومي والقانوني والمالي للمؤسسات الحاكمة الأخرى في إيران، بما في ذلك دعم الخطط التي شارك فيها بزشكيان، وقد ساهم في تعزيز سلطات الحرس الثوري الإيراني في قمع وقتل المواطنين وتفاقم انعدام الأمن والصراعات مع الدول الأخرى في المنطقة.
وبالإضافة إلى ذلك، نشرت وسائل الإعلام صورة بزشكيان وهو يرتدي زي الحرس الثوري الإيراني في قاعة البرلمان مع نواب إصلاحيين آخرين عام 2019، وهو الإجراء الذي تم اتخاذه بعد أن تم تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية من قِبل إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب.
ولا يخفي بزشكيان دعمه المطلق للحرس الثوري الإيراني، وقال في مناظرات الانتخابات الرئاسية، إنه يعتبر صواريخ الحرس الثوري الإيراني وطائراته المُسيّرة “مصدر فخر”.
لكن القضية أصبحت متناقضة عندما وعد، بصفته ناقدًا ومحتجًا على الوضع الحالي للبلاد، والذي يلعب فيه الحرس الثوري الإيراني وقمعه وفساده الاقتصادي دورًا كبيرًا بالطبع، بتغيير هذه الأوضاع الراهنة، لكنه لا يتفوه بكلمة عن دور الحرس الثوري الإيراني.
التوقيع الثالث: خلق التوتر في المنطقة المجال الثالث والذي يشكل أساس العديد من الأزمات الاقتصادية والدولية في إيران، هو موقف النظام الإيراني تجاه الغرب وإسرائيل.
ويمتلك بزشكيان سجلًا وتاريخًا في اقتراح وإقرار قانون فاقم من تصاعد العداء والمواجهة بين إيران وإسرائيل، بينما يقدم اليوم نفسه وفريقه كخيار للتفاعل وخفض التوتر مع العالم.
وقد وقّع هذا النائب مع 39 نائبًا آخر في البرلمان عام 2008 على خطة عاجلة بعنوان “إلزام الحكومة بتقديم الدعم الشامل” لفلسطين، والتي دعت إلى تدخل “جدي” للنظام الإيراني في دعم قطاع غزة.
وطالب هؤلاء النواب بالعمل على إرسال المساعدات إلى قطاع غزة، وإلى جانب ذلك طالبوا الحكومة الإيرانية بمراجعة علاقاتها السياسية والاقتصادية مع الدول الداعمة لإسرائيل ووقف دخول البضائع الإسرائيلية ومنع توقيع العقود مع الشركات التي يكون مساهموها الرئيسون شركات تابعة لهذا البلد.
ويعني تنفيذ هذه الخطة مواجهة سياسية بين إيران والدول الغربية، ومِن ثمّ فرض تكاليف اقتصادية على البلاد بسبب اضطراب التبادلات التجارية.
الآن، بعد نحو 15 عامًا، لا يتحدث بزشكيان في الساحة الانتخابية عن سجله المعادي للغرب في البرلمان، وبدلًا من ذلك، يقدم خطابًا معارضًا للتوتر لجذب أصوات المعارضين لهذه السياسات، وشدد مرارًا في المناقشات الاقتصادية والسياسية على أنه “يجب أن يكون لدينا اتصال بالعالم” وقال إنه باستثناء إسرائيل، يجب على إيران تعزيز علاقاتها مع الدول الأخرى.
أقنعة المعارضة السياسية
ولا تقتصر قائمة الخطط ومشاريع القوانين، التي يرعاها بزشكيان، على هذه القوانين الثلاثة فقط والتي تجذب الانتباه، بل حاول أيضًا تعزيز سياسات خامنئي في المجالين الثقافي والاقتصادي، وهو ما ينتقده في المناقشات والمناظرات هذه الأيام عندما يتعلق الأمر بجذب الأصوات.
ففي المجال الثقافي، على سبيل المثال، أقر خطة لتعزيز وبناء المساجد في عام 2020. وفي المجال الاقتصادي، وقع عام 2017 على قانون لدعم «اقتصاد المقاومة» الذي أكده خامنئي.
وبهذه الخلفية، يبدو أن بزشكيان الذي نراه في الانتخابات اليوم ليس في موقع المسؤول المعارض للنظام والوضع الراهن، بل كان دائمًا عاملًا مساهمًا في دفع سياسات النظام، ودبلوماسية التوتر، وتعزيز العناصر القمعية في النظام، وسيروّج الإصلاحيون، في الأيام التي تسبق الجولة الثانية من الانتخابات، بالتأكيد لسياسة الترهيب والخوف من سعيد جليلي، باعتباره العنصر المتطرف في النظام، لكنهم لن يقولوا للشعب إن خيارهم، أي بزشكيان، لديه أيضًا وجهات نظر متقاربة ومشتركة جدًا مع النواة الصلبة للسلطة.