إذا تمّ إخراج إعلان وزارة الخارجية الفرنسية أن إسرائيل لم تقدم جوابها بعد على المقترح الفرنسي الخاص بتهدئة الجبهة اللبنانية - الإسرائيلية من سياقه الدبلوماسي، يظهر أنّ الحكومة الإسرائيلية لم ترفضه فقط، بل أهملت المسعى الفرنسي ورفضت ضمناً الوساطة الفرنسيّة أيضاً.
وثابرت تل أبيب على صمتها، على الرغم من مرور أكثر من شهر من تسلمها من وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه، الورقة المعدلة التي تأخذ في الاعتبار بعض الملاحظات اللبنانية.
تعرف باريس خلفية هذا التعاطي الإسرائيلي البارد مع مبادرتها، إذ إنّ الحكومة الإسرائيلية تعاني الأمرّين من قادة السكان في الشمال، فهؤلاء يرفضون، كما بات واضحاً، الدور الفرنسي، لأنّهم، كما تفيد التقارير الواردة، يحمّلون الإدارة الفرنسية مسؤولية كبيرة عمّا آلت إليه الأوضاع على الجبهة اللبنانية - الإسرائيلية، خصوصاً أنّها تشكل العمود الفقري للقوة الموقتة للأمم المتحدة في لبنان (يونيفيل) وتربطها علاقات وثيقة بالحكومة والجيش اللبنانيّين.
ووفق هذه التقارير، فإن قادة السكان في شمال إسرائيل يعتبرون أنّ فرنسا قدمت مصالحها في لبنان، وهي تقتضي إقامة علاقات وثيقة مع “حزب الله”، على تعهداتها بتنفيذ القرار 1701 وفي مقدمتها منع وجود القوى المسلحة لـ”المقاومة الإسلامية في لبنان” داخل منطقة جنوب نهر الليطاني.
وتفيد بأنّ هؤلاء القادة يعتبرون أنّ فرنسا طالما عملت لتمييع القرارات داخل مجلس الأمن الدولي، عندما كانت إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة الأميركية، تضغط من أجل تعزيز قدرات اليونيفيل، بحيث تستطيع أن تضع حداً لتعزيز “حزب الله” وجوده على مسافات لصيقة بالحدود.
ووفق إسرائيل، فإنّ الدور الفرنسي لم يعد يصلح لزمن ما بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، لأنّه يعمل بمنطق أنّ لبنان دولة مستقلة وتعاني مشكلات حدودية مع إسرائيل، في حين أن الواقع غير ذلك، إذ تمّ إلحاق لبنان بإيران وأصبح أخطر جبهة في استراتيجية “إنهاء إسرائيل” التي أمر بها مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي.
وهذا يقتضي، وفق الرؤية الإسرائيلية، إزالة الخطر الإيراني الموجود على الحدود مع لبنان، من خلال إبعاد الجناح العسكري لـ”حزب الله” عن الحدود، بشكل موثوق فيه، الأمر الذي لا تتوافر أركانه، لا في الورقة الفرنسية ولا في المنهجية الفرنسية تجاه لبنان.
ويفضل قادة السكان في شمال إسرائيل الدور الأميركي، لأنّ واشنطن تتقاسم وإياهم النظرة نفسها إلى حقيقة الأوضاع في لبنان وإلى طبيعة “حزب الله” بصفته “تنظيماً إرهابياً”، وهم يرتاحون إلى تعاملها الدبلوماسي لأنّه يأخذ في الاعتبار وجوب إتاحة المجال للجيش الإسرائيلي لممارسة ضغط عسك ري كبير يُمكن أن تنتج منه إيجابيات في التسوية المرغوب بها.
ولا يعتبر قادة سكان شمال إسرائيل بإمكان توافر الأمن المستدام لهم من دون عملية جراحية واسعة داخل لبنان. وقد دخلوا في نزاع مع قيادة الجيش الإسرائيلي، من أجل ذلك. قيادة الجيش أبلغتهم أنّها مستعدة لهذا السيناريو. هم يريدون أن يكون هذا السيناريو دون غيره على جدول الانتظار، متكفلين بتوفير الضوء الأخضر الأميركي، بحيث بدأوا ينظمون زيارات لكبريات وسائل الإعلام ولكبار الشخصيات الأميركية المؤثرة لإطلاعهم على ما يفعله “حزب الله” بهم، وضرورة الرد بحزم شديد!
قد تكون المقاربات الفرنسية للواقع اللبناني أقرب إلى منطق التسوية الحقيقية، لكنّ اليمين الذي يسحب إليه غالبية سكان شمال إسرائيل لا يفتش عن تسويات، لا في غزة ولا في الجنوب.
وقد تكون فرنسا الأكثر حماسة لفرض الهدوء على كل الجبهات، فهي، في عملها الدبلوماسي الحالي، تفتش عن هدوء يمكنه أن يركز الأضواء حصراً على الألعاب الأولمبية التي تستضيفها في تموز (يوليو) المقبل وأنفقت استعداداً لها ثروة هائلة!