إستنكر المجلس الأعلى للطائفة الكلدانية في لبنان، “رئيسا وأعضاء ومؤسسات، أشد الاستنكار ما يتعرض له المقام البطريركي في بغداد”، واعتبر في بيان، أن “هذا الموقف الذي يشكل سابقة خطيرة في تاريخ العراق القديم منه والحديث إنما يهدد بشكل مباشر الحضور المسيحي في تلك البقعة المباركة من الأرض، التي منها انطلق التوحيد الإبراهيمي الذي تنادي به الديانات السماوية الثلاث”.
وجاء في البيان: “معلوم أن بطريرك كنيسة المشرق، بطريرك الكنيسة الكلدانية، حظي منذ غابر العصور بلقب “ابي النصارى” وكانت له الكلمة الفصل في شؤون الدين والدنيا، لا في بيعته فحسب، بل أمام الخلفاء والرئاسات والملوك وذوي السلطان، تقديرا لرفيع مقامه واحتراما لما يمثله من قيم سمحاء نبيلة تعكس سمو الدين المسيحي، في مجتمع مختلط ومنوع، عرف عنه صون العيش المشترك والإجتماع حول “كلمة سواء”.
ماذا يحصل؟
قرر بطريرك الكنيسة الكلدانية في العراق، الكاردينال لويس روفائيل ساكو، في الخامس عشر من تموز الجاري الانسحاب من العاصمة بغداد ونقل سلطاته إلى مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان، على خلفية قرار الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد سحب المرسوم الجمهور ي الخاص بتعيينه في منصب بطريرك بابل على الكلدان في العراق والعالم، ومن ثم إصدار أمرٍ قضائي باستقدامه للمحكمة، بتهم رفعها ضده زعيم مليشيا “بابليون”، المسيحية المدعومة من مليشيا “الحشد الشعبي” الشيعية التي تنشط في سهل نينوى.
وأكد ساكو، وفقاً لكتاب رسمي مذيل بتوقيعه، أمس السبت، تعرضه لضغوط مستمرة بدوافع سياسية، معتبراً قرار رئيس الجمهورية “سابقة لم تحدث في تاريخ العراق”.
واتهم ساكو الرئيس العراقي بسحب المرسوم منه “تحقيقاً لرغبة” زعيم فصيل “بابليون” المنضوي في “الحشد الشعبي” ريان الكلداني، لتعيينه متولياً لأوقاف الكنيسة، وإشراك أشقائه في الأمر من خلال منحهم مناصب، مع تعيين وزيرة الهجرة والمهجرين إيفان فائق جابرو (مسيحية) أميناً عاماً للبطريركية، وصهر “الكلداني” نوفل بهاء رئيساً لديوان الوقف المسيحي والديانات الأخرى لـ”تكتمل اللعبة القذرة”، على حد تعبير البطريرك ساكو.
وسبق أن أكدت رئاسة الجمهورية العراقية أن “سحب المرسوم الجمهوري ليس من شأنه المساس بالوضع الديني أو القانوني للكاردينال لويس ساكو، كونه معيناً من قبل الكرسي البابوي بطريركاً للكنيسة الكلدانية في العراق والعالم، بل جاء لتصحيح وضع دستوري، إذ صدر المرسوم رقم (147) لسنة 2013 دون سند دستوري أو قانوني، فضلاً عن مطالبة رؤساء كنائس وطوائف أخرى بإصدار مراسيم جمهورية مماثلة ودون سند دستوري”.
وأشارت الرئاسة العراقية، في بيان منفصل، إلى أن “البطريرك لويس ساكو يحظى باحترام وتقدير رئاسة الجمهورية، باعتباره بطريرك الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم”.
وقالت مصادر مقربة من البطريرك إنّ “اللجوء إلى أربيل هو الخيار الأفضل، لا سيما أن المسيحيين في أربيل يرفضون التمدد المسلح لبعض المسيحيين، وتغولهم في العمل السياسي، في حين أن غالبية جمهور ساكو موجود في أربيل، وتحديداً مدينة عينكاوه، ذات الغالبية المسيحية”، محذرة من “وجود جهتين لإدارة أملاك المسيحيين”، بسبب احتمال تعيين بطريرك جديد. من جهته، قال بسام وردة، أحد النشطاء المسيحيين في أربيل، إن “الحكومة العراقية مسؤولة عن مدى التجاوز على غبطة الكاردينال”.
وأضاف الناشط أن البطريرك “تعرض أخيراً إلى التنمر والسب والشتم والتجاوز من قبل جماعة ريان الكلداني”، متسائلاً: “هل من المعقول القبول بالتجاوز على رمز ديني، وماذا كان سيحدث لو أن هذا الأمر حدث مع الشيعة أو السنة؟“. وسبق أن أشارت البطريركية الكلدانية إلى أن “هذا القرار (الرئاسي) غير مسبوق في تاريخ العراق”. وقالت: “منذ الخلافة العباسية كان البطريرك يُمنح براءةً رسمية، واس تمر الأمر في العهد العثماني، إذ كان (البطريرك) يُمنح فرماناً، ولنا نسخة منه تسمى (الطغراء)، وهكذا بقي الوضع في الزمن الملكي والجمهوري”.
ولفتت البطريركية إلى أن هذه المراسيم معمول بها في الدول العربية التي فيها طوائف مسيحية، مثل الأردن ومصر وسورية ولبنان، مشيرة إلى أنها “لا تعرف أسباب القرار” الذي اعتبرته “سياسياً كيدياً، وضد المقام البطريركي العريق في العراق والعالم”.وأعربت البطريركية عن أملها في عدم سحب مراسيم جمهورية من أكثر من 20 رئيساً وأسقفاً في “الكنائس الشقيقة”، مطالبة رئيس الجمهورية بأن “يعيد الأمور إلى نصابها الطبيعي، قبل أن تتأزم وتَفرز تداعيات لا تُحمد عقباها”.
وتضامن مسيحيو العراق، وأشخاص من ديانات وطوائف أخرى، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مع ساكو، معتبرين أن ما يتعرّض له يُشير إلى حالة “التخادم” ما بين الفصائل المسلحة والمليشيات من جهة، والقرارات الرئاسية والحكومية من جهة أخرى، فيما انتقد آخرون صمت الحكومة والسلطات العراقية بشأن ما يجري من تطورات سريعة في هذه الأزمة.
وتشهد قيادة الوضع المسيحي في العراق حالة من الصراع ما بين بطريرك الكنيسة الكلدانية لويس ساكو، وقائد جماعة “بابليون” المسلحة ريان الكلداني، حتى وصلت خلال الأشهر الماضية إلى تبادل ا لتهم والبيانات عبر وسائل الإعلام والمؤتمرات الصحافية، في مرحلة جديدة من الصراع على الوضع الديني والسياسي للمكون المسيحي، الذي لم يمر بحالة جيدة منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003.
وهاجم ساكو، في وقت سابق، الكلداني، معتبراً أنه “لا يمثل المكون المسيحي”، واتهمه بالتورّط في سرقة أملاك المسيحيين. وقال بطريرك الكنيسة الكلدانية في العراق، في مؤتمر صحافي: “لا أسمح لنفسي بمناظرة شخصية مثل ريان الكلداني، الذي سرق أملاك المسيحيين في بغداد ونينوى وسهل نينوى، ويحاول شراء رجال الدين المسيحيين بمساعدة امرأة وضعها في منصب وزيرة”، في إشارة إلى وزيرة الهجرة والمهجرين إيفان فائق جابرو التابعة لحركة “بابليون”.