يكاد الرقم المعلن لخسائر “حزب الله” البشريّة يتخطى الثلاثين مقاتلًا، حتى تاريخه، هذا إذا استثنينا من الحصيلة خسائر التنظيمات الفلسطينيّة ( “الجهاد الإسلامي” و”حماس”) واللبنانيّة (“سرايا المقاومة”) التي تعمل تحت إشراف الحزب.
وتعتبر هذه الخسائر البشريّة كبيرة نسبيًّا، الأمر الذي أدّى الى اندلاع سجالات “ضمن الصف الواحد” عن فداحتها إذا ما قورنت بتلك المعلنة، على امتداد حرب تموز 2006 التي كانت شاملة وتدميريّة وشهدت اختراقات برّية!
ويبدو واضحًا أنّ الجهوزيّة الإسرائيليّة على الحدود اللبنانيّة فاجأت “حزب الله” الذي كان، وفق ما بات يتسرّب من أوساط مقرّبة منه، يعتقد بأنّه قادر على إصابة الجيش الإسرائيلي “بالعمى” إن هو استهدف مراكز المراقبة والتنصت التي يقيمها على الحدود اللبنانية- الإسرائيليّة، ممّا يعينه على تحرك سهل نسبيًّا وإلحاق أذى أكبر بكثير بالعدو.
ولكنّ النتيجة التي توخاها “حزب الله” من استهداف هذه المراكز خابت، وبقي الجيش الإسرائيلي قادرًا على رصد حركة مجموعات الحزب المقاتلة، حتى ضمن المناطق الحرجية الكثيفة.
وفي تشخيص قدّمه العميد أمين حطيط، وهو من المقرّبين جدًّا، من “حزب الله” قال في حديث صحافي:” إنّ العدو يقوم باستعمال وسائل مراقبة فعّالة عبر الأقمار الصناعية، رغم أن المقاومة حطّمت أكثر من 75% من منظومة الإنذاز المبكر على الحدود، ولكن على ما يبدو أن هناك أجهزة تقنية تكشف المقاومين، الأمر الذي مكّن العدو من استهدافهم”.
ويؤكد هذا الكلام ما كشفته مصادر واسعة الإطلاع عن مفاجأة “حزب الله” بالإستعداد الإسرائيلي على الحدود مع لبنان، ولكنّه يبقى قاصرًا عن شرح سائر الأسباب التي من شأنها أن تُخفّف من اندفاعة “حزب الله” نحو توسيع الحرب المحصورة حتى تاريخه!
ووفق مصادر دبلوماسيّة نقلت أكثر من تحذير إلى “حزب الله” من خلال القنوات السياسيّة والأمنيّة اللبنانيّة، فإنّ الجيش الإسرائيلي الذي كان “مرتخيًا” نسبيًّا على الحدود مع قطاع غزة، بسبب اطمئنانه الى اتفاق كانت قد رعته قطر بين الحكومة الإسرائيلية و”حركة حماس” تحت مسمّى “الأمن مقابل الإقتصاد”، من جهة وثقته العالية بالسور الأمني الذي يفصله عن غزة، من جهة أخرى لم يهدأ، منذ العام 2006، على تجهيز نفسه على الحدود مع لبنان، إذ طالما اعتبر أنّ “حزب الله” يعمل، وفق “الأحندة الإيرانيّة” وتاليًا لا أحد يمكنه أن يضمن متى تصدر الأوامر إليه بتحريك الجبهة الجنوبيّة، وتاليًا كان يجهّز نفسه حتى لا يتفاجأ بعمليّة مماثلة لتلك التي قام بها “حزب الله” في ذاك العام متجاوزًا الخط الأزرق.
وقد أدّى هذا الأستنفار الدائم الى تجهيز القوى الإسرائيليّة المرابضة ع لى الحدود مع لبنان، خصوصًا وأنه كان يأخذ بالإعتبار تهديدات الأمين العام ل”حزب الله” حسن نصرالله باجتياح بلدات الجليل.
ولا يقتصر الإستنفار الإسرائيلي على المستوى الجهوزيّة البشريّة العسكريّة بل يتعدّاه إلى الجهوزية الإستخباراتيّة العالية، بحيث وضع إمكانات كبيرة لرصد أي تحركات “سريّة” ليس جوًّا فحسب بل برًّا أيضًا، مستعملًا، من أجل ذلك، تقنيات كثيرة من بنينها “حيوانية” وصناعيّة سبق أن استعرض بعضها في المعارض العسكريّة في عدد من الدول، تضمّنت أفاع وحشرات تصل الى حيث لا تصل لا الكاميرا ولا البشر ولا الصواريخ المباشرة.
وهذه التفسيرات التي جرى تقديمها للمسؤولين اللبنانيّين بهدف نقلها الى “حزب الله” ثبتت مصداقيّـها ميدانيًّا!
ولكن هذا لا يعني أنّ “حزب الله” سوف يوقف عملياته الحدوديّة، فهو، مهما كانت الخسائر قاسية، أعجز من أن ينسحب، بالوضعية الراهنة، من “تلاحم الساحات” التي تستغلّه الدبلوماسيّة الإيرانيّة لحصد ما تطمح إليه من أثمان.