عاموس هرئيل- هآرتس
هناك فجوة كبيرة غير قابلة للتجسير بين الإدراك أن الجيش الإسرائيلي هو في ذروة الاستعداد للمرحلة الثالثة من الحرب على قطاع غزة وبين الرسائل التي يبعث بها المستوى السياسي إلى الخارج. رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يصرّح، صباحاً ومساءً، بأن الحرب ضد “حماس” ستستمر حتى النصر. ينقصه فقط الاستشهاد بكلام خصمه اللدود ياسر عرفات الذي يقول: مَن لا يعجبه ذلك، فليشرب مياه البحر في غزة. لكن في الوقت عينه، يبدو أن قيادات في شعبة العمليات في هيئة الأركان العامة، وفي قيادة المنطقة الجنوبية، وفي الفرق العسكرية المهمة، باتوا مستعدين لإحداث تغيير حقيقي خلال شهر كانون الثاني/يناير.
الحاجة إلى تغيير جذري له علاقة بتجنيد مئات الآلاف من الاحتياطيين، والعبء الثقيل الناتج من ذلك، على الاقتصاد، وعلى الاحتياطيين، وعلى عائلاتهم. الجيش الإسرائيلي لا يتخلى عن الحرب، لكنه يفهم جيداً الصورة الناشئة. هناك حاجة إلى تعديلات كثيرة، وإلى تسريح جزء من الاحتياطيين من أجل مواصلة الحرب، وفق المخطط الجديد…
في إطار التعديلات، يعتزم الجيش الاستعداد لإقامة منطقة فاصلة في داخل قطاع غزة، تُبعد الخطر المباشر عن المستوطنات الإسرائيلية على طول الحدود، والتي لا تزال اليوم خالية من السكان (وجزء كبير منها يحتاج إلى وقت طويل لإعادة إعماره بسبب الضرر الكبير الذي تسببت به “حماس” في هجومها “الإرهابي” في 7 تشرين الأول/أكتوبر). وكما ذكرنا سابقاً، سيتغير أسلوب العمليات بصورة تدريجية، من الوضع الحالي، إذ تسيطر أربع فرق عسكرية على أغلبية مناطق شمال القطاع وجزء صغير نسبياً في الجنوب، ويتحول إلى عمليات توغّل محدودة، تنفّذها ألوية نظامية ضد ما تبقى من معاقل لـ”حماس”. كل عملية من هذا النوع، وستكون كثيرة، بحسب الجيش، ستكون مصحوبة بغطاء كثيف تقدمه هيئة الأركان العامة وسلاح الجو والأجهزة الاستخباراتية. إلى جانب ذلك، يبدو أن قيادة المنطقة الشمالية ستسرّح الاحتياطيين، وتستبدلهم بوحدات نظامية، ستزيد في تعزيزات الحدود الشمالية ما دام لم يجرِ التوصل إلى حل الأزمة مع حزب الله هناك.
الخلافات في كابينيت الحرب
الخلافات بشأن الطريقة الصحيحة لمواصلة الحرب تنطوي على صدام بين الحاجات الاستراتيجية والواقع السياسي. وهنا يبرز الخلاف المتزايد بين نتنياهو وحزب الليكود، وبين زعماء المعسكر الرسمي، الوزيرين بني غانتس وغادي أيزنكوت، اللذين انضما إلى كابينيت الحرب، بعد مناشدات من رئيس الحكومة في الأسبوع الأول من الحرب. في البداية، استعان نتنياهو برئيسين سابقين للأركان لإحداث توازُن في حكومته اليمينية المتطرفة، واعتمد على نصائحهم في كابينيت الحرب. وكان نتنياهو، مثلهما، يعتقد أنه يجب التركيز على معالجة “حماس”، وتحفّظ عن توجيه ضربة استباقية إلى حزب الله في 11 تشرين الأول/أكتوبر، الخطوة التي أوصى بها وزير الدفاع يوآف غالانت وكبار المسؤولين في الجيش الإسرائيلي. ولا يزال غالانت ينتقد قرار الحكومة في هذا الشأن في كل مرة يُذكر فيها الوضع في لبنان.
لكن بمرور الوقت، تغيرت الظروف السياسية، حتى إن نتنياهو أدرك جيداً القيود العسكرية والسياسية، لكن اعتبارات بقائه السياسي كانت أقوى بكثير. لا يمر يوم من دون مطالبة الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش وبعض وزراء الليكود بمواصلة الحرب وتسريعها. يجري هذا في ظل تهديدهم بالاستقالة من الحكومة، إذا جرى تقليص العملية العسكرية، أو إذا جرى الحديث عن دور محتمل للسلطة الفلسطينية في تسويات اليوم التالي للحرب على القطاع.
تشكيل كابينيت الحرب حوّل المجلس الأمني الأوسع إلى منتدى للتنفيس عن التوتر، يحضره رؤساء الأجهزة الأمنية على مضض، ويضيّعون فيه ساعات مهمة من عملهم. وبينما يطلق الوزراء تصريحات تدل على الثقة، يشعر هؤلاء بالارتباك إزاء الخطط التي تقدَّم لهم. هذا هو سبب الخلاف في الأسبوع الذي تهجّم خلاله بعض وزراء اليمين على رئيس الأركان هرتسي هليفي الذي خرج عن عادته هذه المرة، وردّ عليهم بقسوة.
بن غفير الذي تدفعه استطلاعات الرأي الإيجابية إلى التفكير بجدية في الاستقالة من الائتلاف أكثر من وزراء اليمين المتشدد، ادّعى في تلك الجلسة أن أيزنكوت كان منذ بداية الحرب مع تقليص نطاقها. فردّ عليه أيزنكوت: “أنا أقول العكس، لا يمكن التحدث دائماً بالشعارات. المبدأ هو استخدام الحد الأقصى من القوة خلال الحد الأدنى من الزمن، ويجب أن نفهم أن تحقيق كل الأهداف سيستغرق سنة. هذا ما عرضه الجيش هنا قبل شهرين. هناك وزراء أسرى الخطابات التحريضية التي لا علاقة بينها وبين استخدام القوة. لقد جرى خلق وضع كاذب، أن في الإمكان الوصول إلى آخر مواقع ’حماس’ وتفكيكها خلال أسابيع. وحسناً فعل رئيس الأركان، عندما أوضح أن هذا لا يمكن أن يحدث. الحرب ضد ’الإرهاب’ هي عملية طويلة، ويجب أن تدار بصورة محترفة”.
وفي الواقع، نشأ وضع وجدت فيه المنظومتان السياسية والأمنية أنهما مكبلتان بالتوقعات المبالغ فيها بشأن تفكيك وتدمير سريعَين لم يكونا مطروحَين سابقاً، على الرغم من وعود نتنياهو وآخرين. لقد صدّق جزء من الجمهور الإسرائيلي أنه خلال بضعة أسابيع سيسوي الجيش الأبنية في غزة بالأرض، ويقيم حديقة في شمال القطاع، في مواجهة المستوطنات التي دُمرت في “المذبحة”. وفي الواقع، لقد تسببت العمليات الإسرائيلية في غزة بدمار بأحجام غير مسبوقة، لكنها حتى الآن، لم تكسر “حماس”، ولم تؤدّ إلى فرض وقف إطلاق للنار بالشروط التي ترغب فيها إسرائيل…