"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

"لسنا عربا".. مصريون يتعلمون اللغة القبطية "لإحياء هويتهم الأصلية" والحفاظ عليها من الاندثار، فما القصة؟

نيوزاليست
السبت، 17 أغسطس 2024

"لسنا عربا".. مصريون يتعلمون اللغة القبطية "لإحياء هويتهم الأصلية" والحفاظ عليها من الاندثار، فما القصة؟

وائل جمال

لا تزال اللغة القبطية تشكل رابطا وثيقا وجسرا عابرا بين الماضي والحاضر حتى الآن لدى عدد من المصريين، من غير المتخصصين، الذين يسعون إلى تعلمها بغية الحفاظ على إرث ثقافي وإحياء ما يقولون إنه هويتهم التاريخية، في عالم تلاشت فيه الحدود بين الشرق والغرب، وتداخلت فيه المفردات اللغوية، كما اغتربت موروثات حضارية داخل مجتمعاتها الشرقية.

هذا ما دفع عدداً من المصريين إلى إعادة قراءة تاريخهم القديم، والاهتمام بتدريس اللغة القبطية أو تعلمها، مستفيدين بمنصات التواصل الاجتماعي، وما تقدمه من خدمات مرئية ومكتوبة، وهو ما شجع خبراء في اللغة القبطية على إطلاق فصول دراسية عن بُعد تقدم مادة تعليمية وحضارية للمصريين الراغبين في ترسيخ صلتهم بإرثهم اللغوي القديم، وإحياء استخدام هذه اللغة بلفظها “الأصيل”.

“لسنا عربا ولا أفارقة”

يدور جدل دائم، على المستويين العلمي والاجتماعي، بشأن أصل الإنسان المصري وجذوره الأولى على أرض وادي النيل، لا سيما بعد أن أكد عالم الآثار المصري البارز، زاهي حواس، وزير الآثار السابق، مراراً في أكثر من لقاء تلفزيوني ومحاضرة أكاديمية على حقيقة أن المصريين “ليسوا عربا أو أفارقة”، لافتا إلى اختلافات بين المصريين من حيث “الكلام والشكل والسلوك والعادات والتقاليد” مقارنة بجيرانهم العرب.

وتتزامن مثل هذه التصريحات مع توجيه مصريين منذ سنوات اهتمام خاص بتعلم اللغة القبطية، التي تعد المرحلة الأخيرة والحلقة الأحدث من سلسلة حلقات تطور اللغة المصرية القديمة “الهيروغليفية”، وزيادة الإقبال على “محو الأمية القبطية” عبر منصات وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي، التي قربت الحدود بين المتخصصين من خبراء اللغة والراغبين في تعلمها.

ويقول جورج سيدهم، خبير اللغة القبطية، في حوار حصري لبي بي سي، تأكيدا لتصريحات حواس، إن الفترة الحالية تتميز بوجود اهتمام ملحوظ لدى البعض بشأن الجذور المصرية وقراءة التاريخ الوطني بدافع الاعتزاز بالهوية.

ويضيف: “ثمة اهتمام لدى البعض، من جميع أطياف المجتمع، بشأن تاريخ مصر، وأن المصريين أصلهم أقباط وليسوا من العرب، لا سيما على مستوى الاهتمام باللغة القبطية، إذ يتضح لنا أن المشهد الحالي مختلف مقارنة بالماضي، عندما كانت القبطية حبيسة الكنائس فقط وعدم توافر فرص كثيرة أمام المصريين أينما كانوا لتعلمها”.

“أصل اللغة القبطية”

تعد اللغة القبطية، التي لاتزال تستخدم حتى الآن في طقوس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وصلواتها وألحانها، الطور الرابع والأخير من أطوار الكتابة المصرية القديمة، التي تتألف من الهيروغليفية (التي استخدمها المصريون القدماء كخط للكتابة المقدسة في الأغراض الدينية في المعابد والمقابر والبرديات)، والهيراطيقية (وهي كتابة مبسطة نسبيا للهيروغليفية واستُخدمت في المكاتبات الرسمية والخدمات الدينية أيضا)، ثم الديموطيقية (وهي كتابة شعبية عامية مبسطة للغاية لما سبق).

ويقول العالم المصري عبد الحليم نور الدين، أستاذ اللغة المصرية القديمة بجامعة القاهرة، في دراسته “اللغة المصرية القديمة: الخط القبطي (اللهجة الصعيدية)” إن القبطية هي “نتاج الفكر الإنساني المصري القديم في مجال اللغة والكتابة، وهي خلاصة رحلة طويلة من التطوير والتحديث للخطوط المصرية القديمة”.

ويضيف: “استطاع المصري تطويع هذه الخطوط وفق حاجته من جهة، ووفق التطور الطبيعي للغة ذاتها من جهة أخرى، محافظا – قدر الإمكان – على أساسيات اللغة والخط من حيث القيم الصوتية، والقواعد الأجرومية، مع عدم الإخلال بقدرة هذه الخطوط على توصيل المعاني للمتلقين، بحيث لا يجد المتعامل معها صعوبات في القراءة أو الفهم”.

ويقول نور الدين في دراسته إن اللغة القبطية: “تنحدر من اللغة المصرية القديمة في مرحلتها المتأخرة مباشرة، أي كما كان المصريون يتحدثونها منذ النصف الثاني من عصر الأسرة الـ 18 بالدولة الحديثة (في حدود القرنين الـ 15 والـ 14 قبل الميلاد) وحتى عصر الأسرة الـ 25”.

ويلفت إلى أن تلك المرحلة المعروفة بالقبطية “بدأت بشكل واضح وجلي منذ أواخر القرن الثاني الميلادي، وانتهت رسميا – وليس فعليا – بدخول الإسلام مصر عام 641 ميلاديا، حيث بدأت تحل محلها بالتدريج اللغة العربية، وإن استمرا معا لفترة طويلة”.

بيد أن العالم الفرنسي، ماريوس شين، يسجل رأيا له يخالف الآراء الشائعة، في مقال عن اللغة الوطنية الشعبية لمصر القديمة، نُشر في المجلد الثالث عشر لمجلة جمعية الآثار القبطية، ننقله عن دراسة متخصصة في قواعد القبطية، للعالم بنتلي لايتون، أستاذ حضارات ولغات الشرق الأدنى بجامعة يل، مترجمة بعنوان “الفريد في شرح قواعد اللغة القبطية بلسان أهل الصعيد”، يؤكد فيه شين على أن اللغة المصرية القديمة واللغة القبطية، كانتا متعاصرتين وموجودتين معا منذ أقدم العصور.

ويقدم دراسة مستفيضة لقواعد اللغتين يُستخلص منها أن اللغة المصرية القديمة لم تكن لغة تخاطب، وإنما هي مأخوذة عن القبطية - باعتبار القبطية هي الأصل - وقد صيغت بحيث يقتصر استخدامها من جانب الكهنة والكتبة في الكتابة فقط، أي أن اللغة المصرية القديمة لغة صاغها بعض المصريين الناطقين بالقبطية لهدف الكتابة فقط، وظلت معرفتها محصورة في دائرة الكتبة وحدهم دون عامة الشعب.

وكلمة “قبطي/قبطية” نسبة إلى “قبط” وهي كلمة مشتقة بتحريف من اللفظ اليونانية “أيجوبتي” أو “أيجوبتوس” الذي أطلقه اليونانيون والرومان على “مصر” و”المصريين”، بعد حذف السابقة الحرفية “أي -” واللاحقة الحرفية ”- وس” في الكلمة اليونانية لتصبح “جبت/أو جبط”، لذا كُتبت الكلمة (قبط) بمعنى “مصري” إشارة إلى الإنسان الذي عاش على أرض مصر، وإلى الكتابة التي عبّرت عن لغته في هذه المرحلة”.

كما يمكن رصد أصول القبطية متشعبة في عصر الأسرات المصرية القديمة، من خلال مئات المفردات القبطية التي استعملها المصريون في التعبير عن حاجة الفرد في حياته اليومية من مأكل وملبس ومشرب، وما إلى ذلك من مرافق الزراعة وغيرها، وترجع أصولها جميعا إلى اللغة المصرية القديمة، كما أن أصول قواعد اللغة القبطية، كأدوات التذكير والتأنيث والضمائر، ترجع إلى قواعد اللغة المصرية القديمة.

بي.بي.سي

المقال السابق
الإشتباه بمسيّرة تابعة لحزب الله تصوّر منزل نتنياهو "إنذار كاذب"!
نيوزاليست

نيوزاليست

مقالات ذات صلة

تفّوق إسرائيل التقني منذ 1967

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية