أثارت دعوة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من الديمان عقب اجتماعه ووفداً وزارياً مع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة الراعي والمطارنة الموارنة، جدلاً حول ما فُهم أنه دعوة إلى مجلس الوزراء للانعقاد، إذ يشكّل الأمر سابقة غير دستوريّة.
وعلى الرغم من كل الضجة، إلا أن ميقاتي وعدد من الوزراء وصلوا الى الديمان للمشاركة في اللقاء التشاوري الذي يُعقد مع الراعي وعدد من المطارنة، الذي أعلن ميقاتي أنه مخصص للبحث في القضايا والملفات الوطنية المطروحة والأشدّ إلحاحاً، وأن لا خلفيات وراء دعوة الوزراء إلى الديمان، حيث سجّل ميقاتي هدفاً في مرمى “التيار الوطني الحر”، من منطلق أن المرحلة الراهنة تتطلب التشاور والبحث في قواسم مشتركة بين اللبنانيين، مقابل الجوّ التعطيلي السائد.
اختار ميقاتي من الديمان التأكيد على أنه “المنقذ” المستعد مع االوزراء “ليكونوا جسر عبور لكل اللبنانيين”، وقال:” نحن بحاجة لهذا اللقاء في بلد بلا رئيس جمهورية ومليء بالمناكفات”، مشيراً الى “أنه من لاصعب شيء هو افهام واقناع من لا يريد ان يقتنع وهذا هو الطائف ان نجتمع مع كل الطوائف ومستعدون لأن نكون جسر عبور لاي مكان”.
وقال:“أتأسف ان البعض تخلف عن حضور اللقاء بحجة السياسة”، أضاف: “أنا فرح لغبطة البطريرك وآسف للواقع المرير الذي تمر به البلاد”، مؤكداً أنه “سيأخذ بمشورته”.
بدوره، كشف الراعي خلال اللقاء الوزاري أنه قال للموفد الفرنسي جان إيف لودريان “ما تسمعه من هنا وهناك زوبعة في فنجان، وهناك مرّشحان فلندخل الى المجلس ولننتخب أحدهما”، مشدداً على أنّ “اللقاء بعيدٌ عن كل ما اسمه رسميّات، ولا من أمر مخفيّ هنا، ولا يجب أن يقرأ البعض بين السطور”.
تناغم ميقاتي مع الراعي، في لقاء له أبعاده من حيث التوقيت والمكان، والرسالة قد تترجم بما سيصدر عن الطرفين، والأكيد أن ما بعد اللقاء ليس كقبله.
وكان صدر عن اللقاء التشاوري الوزاري بيان جاء فيه: “إن دولة رئيس مجلس الوزراء، والوزراءَ الحاضرين يشكرون صاحب الغبطة والنيافة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للموارنة، على استضافته هذا اللقاء التشاوري في هذا الصرح الذي كان النواة الأولى لفكرة لبنان الكبير. ويعربون عن تقديرهم البالغ لرمزية هذا المكان وبعده الوطني والروحي، ولمقام سيده ودورِه المتقدم في لم شمل العائلة اللبنانية، ويثمنون ما أضفى ذلك على مناخ المداولات التي جرت ومضمون الخلاصات التي توصل إليها هذا اللقاء”.
أضاف،:“وبعد، يمر وطننا لبنان اليوم في مرحلةٍ من أخطر مراحل تاريخه، مليئةٍ بالأزمات والتحديات السياسية والاقتصادية والمالية والمعيشية غير الخافية على أحد، والتي تضاف إليها أزمة أخرى كيانيةُ الطابع تتعلق بجوهر وجوده ودوره الحضاري على صعيد الإنسانية جمعاء. فهذا الوطن الصغير أُعطيَ نعمةً كبيرة وهي أن يكون ملتقى الذين يطلبون السلام والأمن والحرية والحياة الكريمة. وقد جاءت الصيغة اللبنانية لتكرس هذه القيم في إطار من العيش معًا، يحفظ التنوع داخل الوحدة، ويفرض احترام الآخر المختلف، ومحبتَه كما هو، وعدمَ الخوف منه، والتكاملَ معه لتحقيق المجتمع المتآلف المتضامن، الذي يقود إلى بناء الدولة العصرية العادلة والقوية، الغنية بوحدتها واتساع ثقافة مواطنيها”.
وتابع: “إن اللبنانيين جميعًا مدعوون لحماية هذه الصيغة بترسيخ انتمائنا إلى هويتنا الوطنية الجامعة، والعملَ على تمتين الوحدة من خلال التنوع، والتخلي عن دعوات التنصل من الآخر، مهما كانت عناوينُها.كما تطالعنا في هذه الأيام، على صعد رسمية وغير رسمية، مفرداتُ خطابٍ مموَّه بدعاية الحداثة والحرية وحقوق الإنسان، يناقض القيم الدينية والأخلاقية التي هي في صلب تكويننا النفسي والروحي والاجتماعي”.
ولفت البيان الى ان “هذا الخطاب يُشكّل مخالفة صريحة لنص وروحية المادتين التاسعة والعاشرة من الدستور اللبناني. إن مسؤولية مواجهة هذا الخطاب تقع على عاتق الجميع من دون استثناء، من مراجع دينية وسلطات سياسية وقضائية ومؤسسات تربوية وإعلامية وقوى مجتمع مدني، لأننا نرفض أن يكون حاضرُ أبنائنا مشوَّشًا، كي لا يصير مستقبلُهم مشوَّهًا”.
وخلص اللقاء التشاوري” الى وجوب الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية يقود عملية الإنقاذ والتعافي، إذ لا مجال لانتظام أي عمل بغياب رأس الدولة، كما دعوة القوى السياسية كافةً إلى التشبث باتفاق الطائف وبميثاق العيش المشترك، والتخلي عن كلِّ ما قد يؤدي إلى المساس بالصيغة اللبنانية الفريدة”.
وشدد على “دعوة جميع السلطات والمؤسسات التربوية والإعلامية الخاصة والرسمية وقوى المجتمع المدني الحية، والشعب اللبناني بانتماءاتِه كافةً، إلى التشبث بالهوية الوطنية وآدابها العامة وأخلاقياتها المتوارَثة جيلًا بعد جيل، وقيمها الايمانية لا سيما قيمة الاسرة وحمايتها، وإلى مواجهة الأفكار التي تخالف نظام الخالق والمبادئ التي يجمع عليها اللبنانيون”، كما “دعا المواطنين إلى حوار حياةٍ دائم بينهم، بحيث يسعى كل مواطن إلى طمأنة أخيه وشريكه في الوطن، على فكره وحضوره وحقوقه وفاعلية انتمائه الوطني”.
وطالب “بالتعاون الصادق بين كل المكونات اللبنانية لبلورة موقف موحّد من ازمة النزوح السوري في لبنان والتعاون مع الدولة السورية والمجتمع الدولي لحل هذه المسألة بما يحفظ وحدة لبنان وهويته، وجدد صاحب الغبطة تثمير جهود رئيس الحكومة والوزراء كافة في تمرير هذه المرحلة الصعبة مع المحافظة على مندرجات الدستور”.
وختم:” جدد المجتمعون شكرهم لصاحب الغبطة على استضافتهم. كما جددوا تعويلهم عليه وعلى هذا الصرح وسائر القيادات الروحية في المساعدة على انجاح سعي مجلس الوزراءالى حفظ التنوع ومبدأ العيش معا والى حماية القيم الاخلاقية والايمانية التي تشكل حجر الزاوية في الكيان اللبناني”.
وزير الثاقافة :فخر وشياطين!
وقال وزير الثقافة في حكومة تصريف الاعمال محمد وسام المرتضى بعد انتهاء الاجتماع الوزاري التشاوري في الديمان: “اللقاء هنا تيسيرٌ ربّاني واتفقنا على تحصين الوطن بحفظ صيغة العيش معاً وحماية قيمنا الاخلاقية والايمانية من ثقافة الشذوذ”.
واضاف في تصريح: “في خلال اللقاء اجمع الحاضرون على المخاطر التي تتهدد لبنان ووحدته وقيمه الايمانية والاخلاقية… كما كان هناك اجماع على ان هدم التنوع ونسف القيم سيؤدي الى خراب لبنان، وان المستفيد الوحيد من ذل ك هي اسرائيل التي تسعى لتحقيق هذا الهدف، لأنها تعتبر ان لبنان بتنوعه يمثل النقيض لها الذي يسقطها اخلاقياً ومعنوياً”.
واوضح: “منذ استلامي لمهامي في وزارة الثقافة اعلنت ان دورنا الاساس سيكون بث الوعي لما يحاك ضد لبنان والشعب اللبناني ومن هذا المنطلق طرحت امام غبطته ودولة رئيس الوزراء فكرة عقد هذا اللقاء فلقيت ترحيباً”.
واردف: “كل لبناني واع ومسؤول، عليه ان يسعى الى افشال المكائد الشيطانية التي ترمي الى بث الفرقة بين اللبنانيين وتيئيسهم من صيغة العيش الواحد وتحريضهم على الهجرة او على اعتماد خيارات لا تخدم الا اعداءنا من مثل طروحات التقسيم تحت عناوين ملطّفة، كالفدرلة التي لا ترمي إلا الى هدم منظومتنا اللبنانية الاخلاقية والايمانية التي تشكّل سبباً مهماً من اسباب المناعة والتحصين”.
وختم: “كل الشكر للديمان وغبطة راعيه على حفاوة الاستقبال وحسن الوفادة وعلى الاحتضان والاحاطة وسنعمل بالتعاون معه ومع جميع المخلصين من اجل حماية لبنان ووحدته وقيمه الاخلاقية والايمانية ونعلنها مقاومةً ثقافية ضدّ كل ما يتهدد تنوّعنا وقيمنا الاخلاقية والايمانية ومقدساتنا وبشكل عام موروثنا وثقافتنا وهويتنا”.