اقبال زين
لم تك ن هذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها الرئيس دونالد ترامب “إعجابه الخالص” بنظيره التركي رجب طيب أردوغان، لكنه عبر هذه المرة عن هذا الود بشكل أكثر وضوحا أمام نتنياهو، ما أثار استياء رئيس الوزراء الإسرائيلي لأسباب جد مفهومة.
تغاضى ترامب عن مخاوف نتنياهو من توسّع نفوذ تركيا في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، وتجاهل جميع التقارير الإسرائيلية التي ألمحت إلى أنها باتت تشكل تهديدًا مباشرًا لأمن تل أبيب في المنطقة، فطلب من زعيم حزب الليكود أن “يحل مشاكله معها بعقلانية”، واقترح أن يكون وسيطًا بينهما.
ومضى ترامب في كلامه فقال “لدي علاقة رائعة مع رجل يُدعى أردوغان، وأنا أحبه وهو يحبني، وهذا ما يُغضب وسائل الإعلام”، مشيرًا إلى أنه لم يسبق أن حدث بينهما أي “إشكال”.
حديث ترامب عن رجل أنقرة القوي يذكرنا بما قاله عن زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، مع فرق يكاد يكون حاسما. وهو موقع تركيا الاستراتيجي في الشرق الأوسط، وامتلاكها لكثير من الاوراق بل لمفاتيح سوريا حسب تعبير الرئيس الامريكي نفسه ودورها المصيري في الاطاحة بنظام بشار الاسد كل هذا قد يجعل لأردوغان أفضلية على نظرائه من زعماء العالم، وهي مقاربة تعززها عدة إشارات.
1- موقف واشنطن الخجول من الاحتجاجات
كان لافتًا موقف الولايات المتحدة الخجول من الاحتجاجات التركية المطالبة بإطلاق سراح عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو، حيث قال البيت الأبيض إن المظاهرات “شأن داخلي” لا يرغب في التدخل فيه.
2- علاقة شخصية جيدة خلال الولاية الأولى
خلال ولايته الأولى، حافظ الزعيم الجمهوري على علاقة جيدة مع تركيا، رغم الأجواء السياسية المشحونة التي صاحبت تدخل أنقرة في الحرب السورية، واصطدامها مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الكردية المدعومة من واشنطن، وشرائها أيضًا لمنظومات صاروخية روسية، فضلًا عن مزاعم من الديمقراطيين تشير إلى انخراطها في حملة ضد أوكرانيا.
في هذا الصدد، اعتبر بعض الديمقراطيين أن قرار ترامب بسحب قواته من شمال سوريا عام 2019 أعطى هامشًا للتوغل التركي في البلاد، ما دفع وزير الدفاع جيمس ماتيس للاستقالة احتجاجًا، حيث وصف الخطوة بأنها “خطأ استراتيجي فادح”.
وعلى الرغم من العلاقة الشخصية الوثيقة التي ربطت بين ترامب وأردوغان، إلا أن العلاقة التركية-الأمريكية كانت متوترة في تلك الفترة. ففي 9 أكتوبر 2019، بعث الرئيس الامريكي في فترته الاولى برسالة إلى نظيره التركي يطالبه فيها “بالتفاوض مع قائد قوات سوريا الديمقراطية”، قائلًا: “لا أريد أن أدمّر الاقتصاد التركي، لقد حللت لك بعض المشاكل، فلا تفسد الأمور”
3- تجارة الأسلحة بين ترامب وزعيم أنقرة
خلال ولاية بايدن، زاد التوتر بين الدولتين العضويين في حلف الناتو بعدما فرضت واشنطن عقوبات على انقرة بسبب شرائها لنظام الدفاع الجوي الروسي S-400، واستبعاد تركيا من مؤتمر القمة من أجل الديمقراطية، والاعتراف الرسمي لأمريكا بالإبادة الجماعية للأرمن التي بدأت في عام 1915، ورفض تركيا لطلب فنلندا والسويد بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
ولكن قبيل فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية لولاية ثانية، تهيأت الأجواء لإعادة بناء علاقة أكثر استقرارًا مع أنقرة، أزكتها موافقتها على عضوية السويد في حلف الناتو، والرغبة بشراء طائرات مقاتلة من طراز F-16.
وبعد استلام ترامب السلطة، تعززت أواصر التجارة بين واشنطن وأنقرة، إذ أفادت شبكة “فوكس نيوز” بأن ترامب هاتف نظيره التركي ليعرض عليه بيع أحدث جيل من مقاتلات F-35.
وأثناء تصاعد الاحتجاجات التركية على اعتقال أوغلو، برزت مزاعم تفيد بأن صاحب شركة “إكس” إيلون ماسك، المقرب من الزعيم الجمهوري، حذف حسابات العديد من المعارضين الأتراك، وفقًا لموقع “بوليتيكو”. وبذلك تكون واشنطن قد قدمت معروفًا مشابهًا لعام 2016، عندما اصطفت إلى جانب تركيا أثناء محاولة الانقلاب عليها، والتي يُتهم الداعية الصوفي فتح الله غولن بالوقوف وراءها.
4-تركيا اللاعب الأساسي في سوريا
وخلال السنوات الأخيرة، برزت تركيا كقوة متعددة الأقاليم، وتجلى ذلك مع سقوط نظام بشار الأسد، وصعود الإسلاميين المدعومين منها للحكم.
وقد كان ترامب واضحًا بأن أردوغان أصبح يمتلك “مفاتيح” البلاد. وفي أول مؤتمر صحفي له كرئيس منتخب للولايات المتحدة الأمريكية، تطرق ترامب إلى التطورات الدراماتيكية في سوريا، قائلًا إن تركيا أرادت الاستيلاء عليها منذ آلاف السنين، وقد نجحت في ذلك بطريقة “غير مكلفة” بسبب دهاء الرئيس التركي.
وأردف ترامب بأنه يفكر في سحب 900 من جنوده من دمشق لأنه لا يريد أن “يتسبب بمقتلهم”، فالأمور، على حد تعبيره، لا تزال غير واضحة.
وقبل أيام، وقعت الحكومة السورية و”قسد” اتفاقًا يشمل دمج القوات وإدارة الموارد، مع التركيز على إعادة المهجرين، من المتوقع تنفيذه بالكامل قبل نهاية العام الجاري.
وبناء عليه، انسحب نحو 500 مقاتل من القوات التي يقودها الأكراد من حيي عكرمة والشيخ مقصود في مدينة حلب، في إطار اتفاق مع الحكومة السورية الانتقالية، ما يعكس القبول الأمريكي الضمني بأن تركيا هي الرابح الأكبر من كل ما يجري في المنطقة.
5-أردوغان وثباته في السلطة
وإلى جانب التجارة وتنامي النفوذ التركي في سوريا، تجدر الإشارة إلى أن ترامب يتعامل مع أردوغان بوصفه زعيمًا قادرًا على الإمساك بزمام السلطة في البلاد، خاصة وأن ولاية كل منهما تمتد إلى عام 2028، وهي فرصة يراها الزعيم الجمهوري بأنها تستحق الاستثمار على كافة الأصعدة.
يورونيوز