"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

لماذا تهوّل فرنسا علينا بحرب أهلية "وشيكة"؟

رئيس التحرير: فارس خشّان
الثلاثاء، 22 أكتوبر 2024

وضع وزير الجيوش الفرنسية سيباستيان لوكورنو ماءً في طاحونة المروّجين لحرب أهلية مقبلة في لبنان. تحدث هذا الوزير الموالي لماكرون، كما يتحدث هؤلاء الموالون ل”حزب الله”، مع فارق بسيط أنّ هؤلاء يستطيعون أن يندبوا من تستهدفهم إسرائيل بالقتل والاغتيال، أمّا هو فمضطر، لأسباب داخلية وخارجية، أن يُعرب عن سعادته بحصول ذلك!

بالنسبة لكثيرين، يظهر الترهيب من حرب أهلية مقبلة على لبنان على خلفية ما يصيب “المقاومة الإسلامية في لبنان” من ضربات نوعية، بمثابة دعوة الى اللبنانيين ليقفوا مع “حزب الله” في حرب الإبادة التي يتعرّض لها، وهو مثله مثل ذاك الترهيب الذي كان ينزل على اللبنانيّين، كلّما طالبوا بوجوب إخراج النظام السوري، جيشًا ومخابرات وهيمنة واحتلالًا، من لبنان!

ولكن، لماذا تدخلت فرنسا، في هذا الموضوع؟

منذ وضع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبنان على جدول اهتماماته، وهو مقتنع بأنّ “بلاد الأرز” تواجه ما يسميه أخطار “السيناريو الأسوأ”، أي الحرب الأهلية. في كل مرة يعيد مخاوفه الى سبب مختلف. سابقًا، كان مقتنعًا بأنّ وقوفه الى جانب الرئيس سعد الحريري، في أزمته الحادة، مع المملكة العربية السعودية، جنّبت لبنان حربًا أهلية. وتسبب موقف علني أطلقه بهذا المعنى، باضطراب كبير بينه وبين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي هاله تلميح ماكرون الى أنّه يقف وراء محاولة لإشعال حرب أهلية في لبنان. ونتيجة لذلك، ألغى بن سلمان زيارة كان يزمع القيام بها لفرنسا، واضطر ماكرون الى إرجاء ثلاثة مواعيد على الأقل، كان قد ضربها، تباعا، لزيارة رغب بالقيام بها للمملكة العربية السعودية، حيث لدى بلاده مصالح كبرى، ولا سيما مع إطلاق الرياض أكبر ورشة في تاريخ الشرق الأوسط. ولم يتم جسر العلاقة بين الزعيمين الفرنسي والسعودي، إلّا عندما وافق ماكرون على أن يصدر عن قمة جمعتهما في جدة، في الرابع من كانون الأول 2021، بيان خاص بلبنان، يتمحور حول وجوب تنفيذ ثلاثة قرارات مهمة تُعنى بلبنان: 1701، 1559 و1680.

وعندما أطلق ماكرون، بعد انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020 مبادرته، لم يتحدث في “الأسباب الموجبة” إلّا عن “السيناريو الأسوأ” الذي يواجه لبنان بأخطاره. وفي هذا السيناريو تأخذ “الحرب الأهلية” حيّزًا واسعًا.

وعندما ذهب الصحافي رينو جيرار من “لوفيغارو” الفرنسية الى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لإجراء مقابلة معه تمّ نشرها في 16 تشرين الأول الجاري، كان سؤاله يتمحور عمّا إذا كانت الحرب التي تشنها إسرائيل على لبنان من شأنها أن تتسبب بحرب أهلية في “بلاد الأرز”. سأل جيرار نتنياهو:” ألا تخشى أن تسبب استراتيجية إضعاف حزب الله باندلاع حرب أهلية في لبنان؟“.

وحاليًا، يعطي وزير الجيوش الفرنسية حيّزًا مهمًا للمخاوف من نشوب حرب أهلية “وشيكة”، بعد انتهاء الحرب مع إسرائيل، في كلامه لتلفزيون “أل. س. إي” الفرنسي.

يستند الوزير الفرنسي في إثارة مخاوفه الى النازحين اللبنانيين، و”الدينامية القوية بين الطوائف” و “إضعاف حزب الله” وانهيار لبنان أكثر مما كان منهارًا في السابق.

ولكن هل الحرب الأهيلة وشيكة فعلًا؟

في الواقع، في كل مرة تتحدث فيها فرنسا- ماكرون عن الحرب الأهلية يكون لديها هدف. في المرة الأولى، كان ايمانويل ماكرون، وبالإستناد الى الدور الذي لعبه في إنهاء الأزمة الحادة بين المملكة العربية السعودية ورئيس تيار المستقبل، يحاول أن يقدم جردة إيجابية عن سياسته الخارجية، بعد هجوم داخلي حاد عليه حيث تمّ وصفه بالفاشل وقيل عنه إنه “كثير الحركة وقليل البركة”. في المرة الثانية، كان ماكرون يريد أن يُقنع اللبنانيين بأنّ تدخله ضروري وبأنّ عليهم “الإستماع إليه”، لأنّهم يواجهون خطر التقاتل الداخلي. هذه المرة، يريد لوكورنو، بصفته وزير ماكرون، أن يروّج لمؤتمر باريس الخاص بلبنان، والذي سينعقد يوم الخميس في الرابع والعشرين من تشرين الأول الجاري، والتمكن من حصد ما يكفي من أموال من أجل دعم الحاجات الحادة للنازحين اللبنانيين، من جهة وللجيش اللبناني، من جهة أخرى.

العقل الفرنسي حاليًا يعمل على معادلتين. الأولى تقضي بمنع احتكاك أهلي ناجم عن الحاجة التي سوف تتزايد، ولا بد من فرنسا أن تساهم، بمساعدة حلفائها، في سدّها. والثانية، وهي الأهم، توفير ما يحتاج اليه الجيش من أموال وميزانيات وأسلحة، ليس ليحل في المرحلة القريبة مكان “حزب الله” بشكل كامل فحسب، بل ليتمكن من منع الاحتكاكات بين الطوائف، أيضًا!

إذن، فرنسا في إثارتها للسيناريو الأسوأ تهدف فقط الى توفير أفضل الظروف لها، في السياسة الخارجية المتعثرة، أولًا وفي لبنان، آخر معاقل نفوذها المتهاوي في الضفة الشرقية للبحر الأبيض المتوسط!

المقال السابق
الفنان أحمد سعد ينضم إلى قافلة ضحايا عمليات التجميل
رئيس التحرير: فارس خشّان

رئيس التحرير: فارس خشّان

مقالات ذات صلة

درس يحيى السنوار...الإيراني!

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية