لعقودٍ خلت عيّرت المرأة بتقلباتها المزاجية التي تعزى إلى الهورمونات الأنثوية، بينما عرف الرجل بسمة الثبات، وعلى رغم وضوح الحالات المزاجية للرجل، بخاصة في هذا العصر، مع طريقة الحياة التي أفقدت كل شيء توازنه جسدياً كان أم فكرياً أم عاطفياً، ما زالت هناك أفكار متصلبة تحمّل الرجل فوق طاقته وقدرته الطبيعية على التحمل.
فالجسد الفيزيولوجي للمرأة والرجل لا يخضع لأعراف المجتمع وأحكامه وقوانينه، فهذه الكتلة المادية ظاهرياً لها عالم خاص بها تحكمه العديد من التفاصيل التي نقبلها أو لا نقبلها، ومن أمثلتها ما يعرف اليوم بالدورة الشهرية عند الرجل، أو دورة هورمون التستوستيرون.
إنكار يقابله اطمئنان
خلال البحث المحدد عبر الإنترنت سيطالع الباحث عدداً من المقالات والفيديوهات التي تتحدث عما يعرف بالدورة الشهرية عند الرجل، لكن ما يثير الانتباه هو ردود فعل الناس على هذا الموضوع الفيزيولوجي والعلمي، إذ يلاحظ أن عدداً كبيراً منهم قد استهجن ورفض الفكرة، معتبراً إياها بدعة أو كذبة مشككاً بصحتها، ومن يمجّد العلم في لحظة تراه قد أنزله منزلة منحطة لأنه، فقط، قد خالف بعض معتقداته غير المبنية على أساس حقيقي.
فمن جهة، هناك من أزعجه مصطلح “الدورة الشهرية” معتبراً أنها تمسّ الرجولة عند الذكر بتماثلها مع النساء، من دون فهم المقصد العلمي من التس مية، وهناك من أصابته صدمة ثقافية جعلته يقذف أصحاب المعلومة بنوع من الاستهزاء مما يقال، وهناك فئة استطاعت أن تدرك سبب كل الاضطرابات التي تحدث مع الرجال أو عبر ملاحظة الجنس الآخر لاضطراباتهم وتبدلاتهم، ما أعطى تفسيراً مريحاً يستطيع التعامل معه من دون التفكير بتفاصيل قد لا يكون لها أي نوع من الصحة لا بل تزيد الإزعاج وتفاقم الوضع.
معجزة الهورمون
ولفهم مصطلح الدورة الشهرية عند الرجل، يجب معرفة ما هو هورمون الذكورة التستوستيرون وما علاقته بمتلازمة الذكور العصبية.
يذكر هارون يحيى في كتاب “معجزة الهورمون”، “تبدأ الغدد الجنسية عند الذكر في إفراز هرمون التستوستيرون، وكأن الخلايا الموجودة في هذه الغدد المفرزة لهذا الهورمون تقول إن الأوان قد حان للتحول من مرحلة الطفولة إلى مرحلة المراهقة، وتنتشر جزئيات هذا الهورمون في أنحاء الجسم كافة، لكنها تحمل أوامر خاصة لأجزاء معينة في الجسم بأداء عمل معين موكل إلى هذه الأجزاء، كالنمو العددي للخلايا العضلية، وتلك التي تؤثر على الخلايا الجذرية للشعر، إضافة للحبال الصوتية والجزئيات التي تكسب جسم الرجل القدرة على إخصاب البويضة الموجودة لدى المرأة”. ويضيف “المحيّر أن كل هذه الوظائف تقوم بها جزئيات غير عاقلة، وهذه الجزئية تسلك سلوكاً يوحي إلى أنها تعلم كل صغيرة وكبيرة في جسم الرجل، وتقود سيمفونية الخلايا الجسمية لتشكل رجلاً تام الرجولة، فهذا الهورمون يقوم بالولوج داخل خلايا نسيج الأعضاء الذكرية ويتحد مع أنزيم آخر في الخلية، وبهذه الطريقة يتشكل مركب جديد أكثر فعالية، ولا ينتهي الأمر عند هذه الخطوة بل إن هذا المركب الجديد يتحد مع مركب كيماوي آخر مخلوق لهذا الغرض يدعى بالناقل، وهذه المجموعة من الجزئيات المتحدة في ما بينها تلتصق بالحمض النووي الـ DNA وكأنها تستلم التعليمات اللازمة منه لصنع بروتين جديد في الخلية، وهذه الخطوات تضفي على كل جنس صفاته المميزة”.
دورة كل 24 ساعة
ويمرّ الرجل يومياً بدورة هورمونية تعاود البدء من جديد كل 24 ساعة، فهورمون التستوستيرون يختلف مستواه أربع إلى خمس مرات كل ساعة، ويكون أعلى في الصباح وينخفض مساء، كما أنه يختلف على مدار الشهر، إضافة إلى أن نسبة ذلك الهورمون تنخفض مع تقدم الرجل بالعمر، إذ ينتج بكميات كبيرة في سنّ المراهقة حتى بداية سن الـ 30، ثم يبدأ بالانخفاض إلى حوالى الثلث في بداية سن الـ 30 وإلى حوالى الثلثين في سن الـ 40 وتقل نسبته تدريجاً في الدم إلى حدّ كبير مع التقدم في العمر لدى معظم الرجال، إذ يؤدي انخفاضه الشديد إلى العديد من الأعراض مثل انخفاض الرغبة الجنسية، ومشكلات سلوكية واضطراب الحالة المزاجية لدرجة الإعاقة عن العمل أو الدراسة والاكتئاب.
لذلك، غالباً ما تكون الدورة الشهرية للرجل يومية وليس شهرية، على رغم أن البعض يربطها بدورة القمر الشهرية ووقت اكتماله بخاصة في أيام 13-14-15، إذ يقول الدكتور أحمد هارون مستشار العلاج النفسي “أنه أثناء اكتمال القمر، تم حساب الطاقة النفسية للرجل، فوجد أكثر عصبية وانفعالاً وتوتراً، لذلك كان الدين يوصى بالصيام في هذه الأيام للتخفيف من هذه الأعراض”، كما يوصي بذلك العلم باتباع أنظمة غذائية صحية، تحتوي على العناصر التي يحتاجها الرجال، كأحماض “أوميغا-3” المتوافرة بالمكسرات والأسماك الدهنية.
متلازمة الرجل العصبي
ولكن، ليست للرجال دورة شهرية بالمعنى المتعارف عليه للنساء أو ما يعرف بمتلازمة ما قبل الحيض، لكن هناك شيئاً مختلفاً تماماً يسمىIMS والذي يشير إلى “متلازمة الرجل العصبي” التي يمكن أن تحاكي أعراض الدورة الشهرية وتجعله متقلب المزاج وعصبياً، ويعزى هذا المصطلح للطبيب النفسي جيد دايموند، الذي ذكره في كتابه Irritable Male Syndrome إذ يشرح فيه لماذا يقع الرجال تحت رحمة التقلبات الهورمونية، وذلك بعد 35 عاماً من الأبحاث على ما يقارب 10000 ذكر لاحظ فيها التغيرات المزاجية التي تحصل عند الرجال طيلة الشهر، إذ يعانون من موجات اكتئابية عابرة وغضب وقلق شديدين، ما يهدد علاقاتهم الاجتماعية بشكل عام والأسرية بشكل خاص، ووفقاً لـ “المركز الأميركي لمعلومات التكنولوجيا الحيوية”، فإن متلازمة الذكور العصبية IMSهي “حالة سلوكية تتميز بالعصبية والتهيج والخمول والاكتئاب التي تحدث في الذكور البالغين بعد انسحاب هورمون التستوستيرون”، وعليه، فالدورة الشهرية للرجال هي حالة من فرط الحساسية والإحباط والقلق والغضب وترتبط بالتغيرات الكيماوية الحيوية والتقلبات الهورمونية والإجهاد، وتعدد العوامل المسببة لتغيير الحالة المزاجية للرجل، ولكن كان لهورمون التستوستيرون وتغيراته من ارتفاع وانخفاض العامل الأبرز والصحي، كما تتأثر هذه الدورة ببعض الأمور والعوامل الخارجية المحفزة لها.
(إندبندنت العربية)
