نبارك لكلّ من المملكة العربيّة السعوديّة والجمهوريّة الإسلامية في إيران المصالحة التي توصلتا إليها برعاية جمهوريّة الصين الشعبيّة، لأنّ الوئام بين الدول هو الأمل والمرتجى.
وهذا الحدث ليس مفاجئًا إلّا بتوقيته، فجميع المراقبين كانوا يعرفون أنّ المفاوضات “السريّة” قد تقدّمت جدًّا بين الرياض وطهران، كما هي تتقدّم، حاليًا بين الرياض والنظام السوري، إذ يُنتظر وصول موفد سعودي رفيع المستوى الى دمشق، بين يوم وآخر، وفق المعلومات الواردة من موسكو.
وفي لبنان، لم نكن بعيدين عن انعكاسات “المفاوضات السريّة” التي جرى التحضير لها في العراق وسلطنة عمان قبل أن تنتقل الى الصين على مستوى دبلوماسي رفيع، إذ إنّ “حزب الله” كان قد أوقف، فجأة، ومنذ مدّة كلّ تهجم على المملكة العربيّة السعودية، على الرغم من أنّه لم يكف، ومنذ انتهاء اجتماع باريس الخماسي، عن التركيز على رفض “التدخّل الخارجي” في الانتخابات الرئاسيّة اللبنانيّة التي رشّح لها “مفضّله” رئيس “تيّار المردة” سليمان فرنجيّة، كما أنّه كان قد أتاح للجيش اللبناني أن ينفّذ عمليات “جريئة” ضد كبار تجّار المخدرات الذين يتّخذون من مناطق سيطرة الحزب مراكز لهم، في خطوة من شأنها أن ترضي المملكة العربيّة السعودية التي كانت قد رفعت مستوى غضبها من هؤلاء الى حدّ معاقبة لبنان بصناعيّيه وفلّاحيه وتجّاره.
ولم تكن الإشارات الواصلة إلينا من اليمن، من دون دلالات، إذ إنّ الحصار “الحوثي” على تعز كان قد رُفع، في الآونة الأخيرة، ممّا يعني إسقاط “الحوثيّين”-حلفاء إيران الخيار العسكري للسيطرة على هذه المنطقة الحيويّة والاستراتيجية.
ولكن، ماذا بعد هذا الإعلان؟
التدقيق في الإعلان المشترك الصادر عن كلّ من السعوديّة وإيران والصين يمرّر عبارة تنص على الآتي: “تأكيدهما (إيران والسعوديّة) على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية”.
وهذا يعني، بكلام آخر، أنّ إيران يجب أن تكفّ عن التدخل في شؤون الدول التي سبق أن أعلنت السيطرة عليها، وهي تشمل كلًّا من لبنان وسوريا والعراق واليمن.
وليس سرًّا أنّ الرياض تتّهم طهران بالتدخل في الشأن اللبناني الداخلي، من خلال “حزب الله” الذي تموّله وتسلّحه وتدعمه وتستتبعه.
فهل هذا يعني أنّ إيران سوف تتخلّى عن “حزب الله”؟
طبعًا، هذا لن يحصل، فجلّ ما يمكن أن تفعله إيران، في مرحلة الشهرين التي تفصل عن ترجمة اتفاق المصالحة، هو أن تمنع “حزب الله” من القيام بأيّ خطوة تثير غضب السعوديّة.
وهل يؤدّي ذلك الى انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان غير سليمان فرنجيّة الذي قيل إنّ المملكة العر بية السعوديّة تضع عليه “فيتو”؟
نحن لا نظن ذلك، فمسارعة “الثنائي الشيعي” الى إعلان ترشيح فرنجيّة لم يكن بمنأى عن “كلمة سر” إيرانيّة لفرض أمر واقع، من أجل التفاوض لمصلحته وليس عليه، من خلال عرض “سخي” يقوم على معادلة المقايضة، بحيث يكون هناك رئيس للجمهوريّة يريح “حزب الله” في مقابل رئيس للحكومة يريح خصوم “حزب الله”.
وهذا يفيد بأنّ لبنان، في أفضل أحواله، سوف يعود إلى المعادلة التي هدّمت دولته وأماتت شعبه، ليبقى في ثلاجة انتظار تدهور جديد في العلاقات السعوديّة-الإيرانيّة.
وبيّنت التجارب الكثيرة في لبنان والإقليم والعالم أنّ فاتورة اجتماع الكبار يدفعها الصغار.