بعد خمسة أسابيع من زيارة وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه للبنان، قدمت وزارة الخارجية الجواب الرسمي للحكومة على المقترح الفرنسي الهادف الى احت واء التصعيد على الجبهة اللبنانية - الإسرائيلية المستمر، منذ الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، تاريخ انضمام “حزب الله” إلى حرب “طوفان الأقصى”.
بطبيعة الحال، يستحيل أن يكون الجواب اللبناني بمنأى عن موقف “حزب الله”، فهو صاحب الكلمة الفصل في كل ما يتصل بالصراع مع إسرائيل، وهو الذي يحدد متى تبدأ الحرب ومتى تنتهي، وتكتفي الحكومة اللبنانية بلعب دور ثانوي، بصفتها “صندوق بريد” بين الوسطاء الدوليّين من جهة، و”حزب الله”، من جهة أخرى.
في ظاهر الحال، لن يغيّر الجواب اللبناني المقدّم الى الجانب الفرنسي شيئاً في المعادلات الراهنة، فـ”حزب الله” يربط السماح بانطلاق التفاوض بوصول إسرائيل وحركة “حماس” الى هدنة في قطاع غزة، والبدء بتنفيذ أي اتفاق ممكن، بانتهاء تلك الحرب، وذلك على قاعدة “وحدة الساحات” التي كان قد أرساها “فيلق القدس” في “الحرس الثوري الإيراني”. في المقابل، فإنّ إسرائيل تعتبر أنّ “حزب الله” لا بدّ من أن يدفع ثمن “وحدة الساحات” حتى يخرج من هذه المواجهة ضعيفاً، ويعجز، في أيّ وقت لاحق، عن تهديد أمن سكان شمال إسرائيل، بحيث يكرر من لبنان ما فعلته “حماس” من غزة، في السابع من تشرين الأول الماضي.
ويبدو أنّ الجواب اللبناني على المبادرة الفرنسية يعود بالزمن الى العام 2000، بحيث يطلب من إسرائيل، حتى يلتزم بتنفيذ كامل للقرار 1701، أن تنفّذ ما سبق أن رفضته، عند انسحابها في لبنان، أي الاعتراف بلبنانية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، والانسحاب منها.
وتعتبر إسرائيل أنّ هذا المطلب غير واقعي، إذ تربط هذه المناطق بالجولان السوري الذي سبق أن احتلته وأعلنت ضمّه الى أراضيها.
ويرى “حزب الله” أنّ عدم انسحاب إسرائيل من هذه المنطقة الحيوية استمرار للاحتلال ممّا يعطي مشروعية للاستمرار في المقاومة.
ولكنّ إسرائيل تعتبر أنّها حتى لو تخلّت عن مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وانسحبت من كل النقاط التي يقول لبنان إنّها تشكل خرقاً لسيادته الحدودية، سوف يجد “حزب الله” مبررات أخرى لمواصلة عمله ضدّها، لأنّ هدفه ليس لبنانيّاً على الإطلاق!
إذن، ماذا يريد “حزب الله” من جوابه؟
بكل بساطة، يهدف الى أن تعود إسرائيل الى قواعد الاشتباك التي كانا قد أرسياها، منذ نهاية حرب العام 2006، بحيث يستطيعان معاً أن يعيدا الجبهة اللبنانية الى مستوى المناوشات، ممّا يخفف الخسائر على الطرفين، ويمهّد لهدوء، في المرحلة اللاحقة، من دون تغييرات جذرية من جانب “حزب الله”، إذ إنّ أيّ حلّ على مستوى مزارع شبعا لن يرى النور، أبداً.
هل تقبل إسرائيل؟
من الواضح أنّ الحكومة الإسرائيلية، على رغم كل الضغوط الداخلية والسقوف الكلاميّة المرتفعة، لا تزال تهمّش الملف اللبناني لمصلحة الملف الفلسطيني، فموضوع رفح، بالنسبة لها، هو محور الاهتمام الأساسي.
وهذا يدفع هذه الحكومة الى التفكير باحتواء كل الجبهات الأخرى، ففي شهر رمضان لن تكون هناك أولوية لـ”حزب الله” إذ إنّ الجهود ستبقى منصبة على منع أي انتفاضة سواء في القدس، حيث للمسجد الأقصى حساسيّة مرتفعة، أو في الضفة الغربيّة التي تعاني الأمرّين.
وإذا ترافق الجواب اللبناني الذي من شأنه أن يعطي الدبلوماسية الفرنسية التي تنسق مع الدبلوماسية الأميركية قدرات على مواصلة المساعي، مع “تهدئة نسبيّة” على الجبهة اللبنانيّة - الإسرائيليّة تتناقض مع تهديد الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله برفع وتيرة المواجهات، فإنّ ذلك سوف يريح إسرائيل ولن تنقلب عليه.
وليس تفصيلاً أنّ لبنان قدّم جوابه للفرنسيين في الخامس عشر من آذار (مارس) الجاري، وهو الموعد الذي كان إعلام “حزب الله” قد اعتبره، ولو منسوباً إلى مصادر دبلوماسيّة أوروبية، تاريخ بدء إسرائيل في توسيع حربها على لبنان.
إنّ افتراض “حزب الله” أنّ تاريخ الخامس عشر من آذار هو بداية الخطر، دفعه الى حثّ الحكومة اللبنانية على إعطاء دفعة جديدة لدبلوماسية المساعي. وهذا، بذاته، رسالة “تهدئة” بعث بها “حزب الله” عبر “صندوق البريد” المعتمد، طالباً التهدئة!