"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

لبنان وتحديات العودة الى انتظام العمل السياسي

ابراهيم ناصر
الأحد، 19 يناير 2025

لبنان وتحديات العودة الى انتظام العمل السياسي

جاء انتخاب العماد جوزف عون رئيسا للجمهورية اللبنانية في التاسع من كانون الثاني الحالي كترجمة سياسية لانقلاب موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط ومن ضمنها طبعا لبنان. ومع انهيار النفوذ الإيراني في هذا البلد جاء الدفع الأميركي السعودي واضحا لإنهاء الشغور الرئاسي وملئه بالشخص الذي يؤمل ان يمثّل بداية مشرقة لمستقبل لبنان. ومع ان تكليف القاضي نواف سلام لتشكيل الحكومة الأولى للعهد الجديد قد اتى ضمن ذات الأجواء الجديدة من الاحتضان الدولي، غير انّ الاستشارات الملزمة التي اجراها رئيس الجمهورية والتي أدت الى هذه النتيجة كانت ثمرة حراك محموم سياسي ونيابي محلي بالدرجة الأولى وبالحد الأدنى من الايحاءات الخارجية.

وان دلّ هذا الامر على شيء فعلى العودة التدريجية لانتظام عمل المؤسسات الدستورية وعلى استعادة الحياة السياسية لعملها الطبيعي حيث الكلمة الفصل لموازين القوى التي تفرز المجموعات السياسية بين اغلبية حاكمة واقلية معارضة وعلى اخذ كل كتلة سياسية لحجمها الطبيعي من غير انتفاخ. تلك هي الممارسة السياسية الصحية التي لا يزال يقاومها وحيدا ثنائي امل ـ حزب الله بعدما اعتاد طويلا على الاستهزاء بالأكثريات النيابية وعلى ممارسة سياسات الفيتوات والاقصاء والفرض وضرب الاستحقاقات الدستورية بأسلوب الاستقواء متسلحا بغطاء الوصاية الممانعة وبفائض القوة المسلحة غير الشرعية وبالقدرة على التهديد والقتل. لم تكن نتيجة الاستشارات النيابية تحديا لثنائي امل ـ حزب الله ولا لأحد غيره ولم تنكث هذه النتيجة باتفاقات مزعومة ومتخيّلة مع رئيس الجمهورية او أطراف خارجية هي لا تلزم ولو افترضنا وجودها من لم يكن طرفا فيها ونعني القوى السياسية اللبنانية الممثلة في البرلمان، انما هذه النتيجة جاءت تعبيرا واضحا عن انعتاق تلك القوى من اسر الدويلة وعودتها لحرية ممارسة ابسط صلاحياتها الدستورية.

لم يخرج الثنائي امل ـ حزب الله بعد من صدمة الهزائم التي تلقاها الواحدة تلو الأخرى. أقرّ صاغرا بالشروط المذلة لإنهاء الحرب فيما هو يقف عاجزا امام هول خسائرها. لحق مرغما بالموجة العارمة التي أوصلت جوزف عون الى رئاسة الجمهورية فيما لم تؤد هزالة مسرحية الساعتين الفاصلتين بين دورتي الانتخاب الا الى المزيد من اظهار الانكسار. ثم تلا جلسة الانتخاب مباشرة القاء خطاب القسم الذي بدا لنواب الثنائي، وهم يستمعون له، وكأنه كلام من عالم آخر ومن قاموس لا يفقهون شيئا من مضمونه في الوقت الذي شعر فيه باقي نواب الامة بأنّ كل كلمة من هذا الخطاب هي بمثابة الترياق الوطني الذي طال انتظاره. بعد ذلك بأيام قليلة ظهر الثنائي فاقدا للبوصلة السياسية بعدما شهد السقوط المدوي لمرشحه لرئاسة الحكومة الى درجة انّ نواب التكتلين امتنعوا حتى عن تسمية نجيب ميقاتي حفظا لماء وجهه على الأقل.

لا شك في أنّ رئيس مجلس النواب “الابدي” نبيه بري والمعروف ببراغماتيته وبخبراته المتراكمة في البهلوانيات السياسية سوف يجد السبيل سريعا للتأقلم مع الوقائع الجديدة حفاظا على موقعه في السلطة وحماية للمكتسبات التي راكمها في الدولة العميقة على مدى عقود. سوف يكون بحاجة ماسة الى هذا الرصيد لمواجهة الاستحقاقات الدستورية المقبلة- البلدية بعد أشهر قليلة والنيابية منتصف العام المقبل- للتصدي للمزاج الشيعي المتغير والمتجه شيئا فشيئا للتفلّت من قبضة الثنائي لملاقاة المزاج الوطني العام التواق لاستعادة دولة المؤسسات والقانون والابتعاد عن الصراعات الإقليمية التي أنهكت اركان الوطن وناسه. ذلك ان المواطن الشيعي اللبناني يرى، مثله مثل الغالبية الساحقة من اللبنانيين، في انّ تولي جوزف عون ونواف سلام زمام القيادة يعتبر فرصة ذهبية لانتقال لبنان الى ضفة الاستقرار والنمو والازدهار وان الوقت حان لأن تساهم كافة المكونات اللبنانية في عدم تفويت مثل هذه الفرصة.

وماذا عن حزب الله الذي كرّس على مدار سنين طويلة كل موارده وقوته وجهوده وايديولوجيته لضرب السيادة اللبنانية وتقويض مؤسسات الدولة لتحويل لبنان الى ساحة تخدم حصريا محورا إقليميا لا يعترف بالحدود ولا يؤمن بغير ثقافة العنف والموت؟ هل هو قابل للتأقلم مع المرحلة الجديدة ومع ثقافة السلم والحياد والمواطنية وسيادة القانون وسياسات التنمية الاقتصادية والبشرية؟ انسجام الحزب مع هكذا مفاهيم مناقضة لصلب تكوينه ومشروعه وهي تتطلب منه نوعا من نكران الذات وتغيير الجلد ما يجعل من تحقيقه امرا بالغ الصعوبة ان لم يكن مستحيلا. الأرجح انه سيختار الطريق الاسهل الذي خبره طويلا ليستجمع ما تبقى له من قوة للعودة الى مشروعه العنفي عند اول فرصة سانحة. وهنا يكمن التحدّي الأكبر امام العهد الجديد.

المقال السابق
تنصيب ترامب اليوم بحضور بايدن و3 رؤساء سابقين

ابراهيم ناصر

باحث سياسي واجتماعي

مقالات ذات صلة

ضابط في قوة "الرضوان": "هذه هي الضربة الكبرى التي مُنينا بها في حزب الله"

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية