منذ قبل ظهر يوم السبت الماضي، وبعد ساعات قليلة على عملية “حركة حماس” في غلاف غزّة، طُرح سؤال لا يزال الشغل الشاغل للبنانيّين والبعثات الدبوماسيّة في بيروت: هل يُقحم “حزب الله” لبنان في “طوفان الأقصى”؟
ولم يحظ هذا السؤال بجواب حاسم، إذ تنقلت الآراء بين التمنيات هنا والرهاب هناك!
وأثبت المسؤولون اللبنانيّون، مرّة جديدة، عدم مسؤوليتهم عن قرار سيادي بامتياز: الحرب والسلم!
ولم يفاجأ أحد بعجز هؤلاء المسؤولين عن تقديم جواب حاسم وواضح، إذ إنّ عجزهم السيادي المؤكد سابقًا أصبح أكثر دراماتيكيّة في هذه الأيّام!
في واقع الحال، فإنّ “حزب الله” انخرط في حرب “طوفان الأقصى” منذ اليوم الأوّل لانطلاقها، عندما أبلغ الجميع، بمواقف معلنة وسريّة: لسنا على الحياد!
ومنذ يوم السبت فعّل “حزب الله” المبدأ الذي سبق أن أرسته الجمهوريّة الإسلامية في إيران: وحدة الساحات!
وفي وقت أسقط الحزب، رسميًّا، مفاعيل القرار 1701، بتراجعه عن بند وقف العمليات العدائية بينه وبين إسرائيل، عهد بجزء من أرض الجنوب الحدوديّة إلى حليفه الفلسطيني الأبرز: الجهاد الإسلامي!
وقد نسّق “حزب الله” عمليات التحرّش بإسرائيل بين مجموعة يتبنّاها هو ومجموعة أخرى يتولّاها “الجهاد الإسلامي” الذي تسلّل إلى نقاط إسرائيلية وقصف مستوطنات محاذية للحدود اللبنانيّة!
وكل هذا يعني، ببساطة، أنّ “حزب الله” انخرط باكرًا في “طوفان الأقصى”!
لكنّ هذا الانخراط، بقي دون مستوى المخاطر التي يخشى منها الأقربون والأبعدون، إذ وحدهم سكّان البلدات والقرى اللبنانية الحدوديّة بدأوا يتلمّسون تداعياتها، بحيث اضطرت غالبيتهم إلى الرحيل إلى أماكن لا تزال أكثر أمانًا!
وحاليًا، يخشى سائر اللبنانيّين من توسيع رقعة المواجهة بين “حزب الله” وإسرائيل، بحيث ينزلق إسقاط القرار 1701 من مجرد مناوشات عنيفة لا تزال مقتصرة على بعض النقاط الحدودية، ليشمل إسرائيل كلها ولبنان كلّه!
حتى تاريخه لا يملك أحد جوابًا عمّا يمكن أن يحصل، ليس في الأيّام المقبلة بل حتى في الساعات المقبلة. جلّ ما في الأمر أنّ السياسيّين الذين يخشون تدمير لبنان يناشدون “حزب الله” بأن يتراجع عن قرار خوض الحرب (وهم لا يملكون سوى سلطة المناشدة!)، فيما “حزب الله”، وكردٍ على شعبه الخائف الذي بدأ يترك بلداته وقراه، ينظّم تظاهرات “تيك توكيّة” للإيحاء بأنّ انخراطه الكامل في “طوفان الأقصى”، هو مطلب شعبي!
على أيّ حال، هل تتوسّع رقعة الحرب في اتجاه كل لبنان وكل إسرائيل، ما دامت قد أصبحت أمرًا واقعًا؟
هنا تتعدّد السيناريوهات، فالبعض يعتبر أنّ مصلحة “حزب الله” تكمن في أن يبقى على هذا المستوى من المواجهة، لأنّه، من جهة أولى، لا يملك ثمن تداعيات توسيع الحرب التي ستستهدف، أوّل من سوف تستهدف، بيئته الحاضنة، ولأنّه، ثانيًا، سوف يوسّع رقعة المعارضة ضدّه في الداخل اللبناني، لأنّه بنتيجة الحرب سوف يتم تدمير آخر ما تبقى سليمًا في البلاد التي تعيش أسوأ انهيارات مالية واقتصادية واجتماعية.
ولكنّ “حزب الله” على أهمية قراره، لا يمسك بكل خيوط اللعبة، إذ إنّ إسرائيل تملك كل الأوراق أيضًا، وهي التي أصبحت تتحكم بتوسيع رقعة الحرب مع “حزب الله”، وقد تذهب إلى البعيد إذا وجدت مصلحتها في ذلك. حتى تاريخه، ي بدو أنّ إسرائيل مكتفية بـ”معركة المناوشات”، بحيث يكفيها أن تأخذ العنوان لتبيعه في أسواق الغرب وتقبض ثمنًا غاليًا له في حربها المفتوحة ضد قطاع غزّة!
لقد استفادت إسرائيل بأقصى حد من دخول “حزب الله” إلى “طوفان الأقصى”، لأنّها بذلك تحاول أن تُثبت أنّ ما أقدمت عليه “حركة حماس”، يوم السبت الماضي، لا ينبع من “مظلومية فلسطينية” بل من قرار إيراني بامتياز، وهي، بفعل هذا القرار الإيراني النابع من شعار “محو إسرائيل من الوجود”، أصبحت في مرحلة شكسبيرية تراجيديّة: نكون أو لا نكون!
ولا تقتصر مخاوف لبنان الحقيقية على هذه المرحلة، بل هي ستصبح أكثر جديّة في المستقبل القريب، أي في تلك اللحظة التي تتأكد فيها إسرائيل من حصولها على ضوء أخضر غربي لشن حروب مفتوحة على مختلف الجبهات، فحينها يمكن لإسرائيل، بعد أن تكون قد استكملت استنفار جيشها المعزّز بثلاثمئة ألف من الاحتياط، أن تغامر بحرب ضد غزّة ولبنان في آن!
إنّ من يدقق بالأداء الإسرائيلي في الداخل كما في الخارج، يدرك أنّ الدولة العبرية تمهّد الأرضية لتقبّل تكبّدها خسائر ماديّة وبشرية كبيرة، في حرب ذات طبيعة وجوديّة.
وإذا تواصلت نجاحات إسرائيل على هذا المستوى، وتجلّى آخرها في اتفاق تشكيل “حكومة طوارئ”، أي حكومة خوض الحرب واحتواء تداعيات الحرب، فحينها قد تذهب تل أبيب، وبعدما أسقط “حزب الله” القرار 1701، إلى حيث يحذّر الدبلوماسيّون الدوليّون المسؤولين اللبنانيّين بصفتهم حملة رسائل إلى “حزب الله”!