ردًا على ارتفاع أسعار المواد الغذائية قامت سيدتان بافتتاح سوبر ماركت اجتماعي في بيروت لا يهدف للربح. والأمر بالنسبة لهما، لا يتعلق بتقديم مواد غذائية بأسعار رخيصة فقط، وإنما تريدان مكافحة الطائفية أيضا.
على بعد حوالي ثلاثة كيلومترات من وسط مدينة بيروت قع منطقة فرن الشباك المكتظة بالسكان، وحيث حركة المرور كثيفة والكثير من المحلات التجارية الصغيرة منتشرة. عند السير على طول الشارع الرئيسي، تشير تماثيل القديسين الموضوعة في صناديق زجاجية إلى أن المنطقة كانت مسيحية يوما ما، ولكن اليوم يعيش فيها أناس من انتماءات إثنية ودينية مختلفة.
في السابق كان فرن الشباك حيا يقطنه أفراد من الطبقة الوسطى الدنيا، لكن مستوى معيشتهم تراجع بشكل كبير في السنوات الأخيرة. على جانب من الطريق الرئيسي في فرن الشباك، يوجد سوبر ماركت مختلف نوعا ما، وهو سوبر ماركت المن والسلوى الاجتماعي غير الربحي.
يوسف يأتي يوميا للشراء من سوبر ماركت المن والسلوى، رغم أنه يسكن خارج الحي، ويقول “أرى أن الأسعار معقولة فعلا. لقد قارنتها ووجدت أنها رخيصة هنا وأنا سعيد بأنني أستطيع أن أوفر بعض المال. لدي ثلاثة أطفال وأحيانا أشتري لهم الشوكولاته أيضا حين أعود من العمل إلى البيت، قطع الشوكولاته هذه أرخص 40 بالمائة هنا مقارنة بأمكنة أخرى”.
سوبر ماركت اجتماعي وأسعار رخيصة
تقول نوال طرابلسي التي أسست السوبر ماركت مع مريام يونس: إن فكر ة افتتاح هذا السوبر ماركت في فرن الشباك، جاءت ردا على ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد. وتضيف بأن الهدف هو أن يتمكن كل واحد من الحصول على مواد غذائية جيدة بأسعار معقولة.
في ربيع عام 2023 تمكنت السيدتان أخيرا من افتتاح هذا السوبر ماركت. “أردنا مكافحة الشعور بالعجز، حيث يعتقد كثيرون أنه لا يمكن مساعدة البلاد، لأن نفس الطبقة السياسية تحكمها” تقول نوال طرابلسي.
عام 2019 نزل اللبنانيون إلى الشوارع وتظاهروا ضد النخبة السياسية الفاسدة، لكن وبعد أربع سنوات لا يزال معظم هؤلاء الساسة الفاسدين في مناصبهم. منذ ذلك الحين يمر لبنان بأزمة اقتصادية خانقة، لم تشهدها البلاد من قبل. وهذه الأزمة حسب البنك الدولي “إحدى أسوأ الأزمات التي شهدها العالم منذ أواسط القرن التاسع عشر”.
ومنذ نهاية عام 2019 فقدت الليرة اللبنانية 90٪ من قيمتها. والنتيجة هي أن الكثير من الناس في لبنان عليهم الكفاح من أجل حقهم في حياة كريمة ومن أجل العدالة والتضامن الاجتماعي. والتوتر الأخير في الشرق الأوسط والخوف من وصوله إلى لبنان، يزيد المخاوف وعدم اليقين لدى الناس.
وكانت الأزمة الاقتصادية هي العامل الحاسم في تأسيس المتجر، وتوضح طرابلسي “لقد أسسنا هذا السوبر ماركت الاجتماعي لمواجهة هذا الوضع الصعب”. ومن خلال منظمة غير حكومية أسستها نوال طرابلسي قبل أعوام، حصلت مع شريكتها مريام يونس على تمويل دولي للبيع بأسعار معقولة في السوبر ماركت.
الأولوية للمنتجات المحلية
يقوم سوبر ماركت المن والسلوى على فكرة ما يسمى بالتعاونية، حيث هناك مساواة بين الزبائن والمالكين، لأنهم إما أعضاء في التعاونية ويدفعون اشتراكا ماليا سنويا محددا ويحصلون مقابلها على أسهم في السوبر ماركت أو يتبرعون للتعاونية. بالإضافة إلى التطوع بالعمل لساعات قليلة في السوبر ماركت، ومقابل ذلك يحصلون على حاجاتهم بسعر أقل.
كذلك يمكن لغير أعضاء التعاونية أيضا، الشراء من المحل، الذي يبيع مختلف المواد الغذائية والخضار والفواكه الطازجة والمنظفات وغيرها. كما توجد زاوية صغيرة مخصصة لبيع الكتب. ويتم التركيز في السوبر ماركت على عرض وبيع المواد التي لا يحتاج حفظها لثلاجة، لأن التيار الكهربائي ينقطع لساعات طويلة كل يوم. وخلال الأسابيع الماضية كان هناك إقبال شديد على المحل، إذ سارع الناس إلى الشراء بكميات أكبر، حيث كان هناك خوف كبير من امتداد حرب غزة إلى لبنان، توضح ميريام يونس.
لكن سوبر ماركت المن والسلوى، يواجه تحديات أخرى أيضا، تقول نوال طرابلسي. حيث أن التعاونية تعول على الشراء من المنتجين المحليين. وتقول طرابلسي “في التعاونية لا نريد دعم المشترين (الزبائن) فقط، وإنما دعم المنتجين والتجار المحليين أيضا. فالدولة لا تدعم هؤلاء، ولا تزيد الضرائب المفروضة على البضائع المستوردة من الصين أو تركيا أو سوريا. فالبضاعة المحلية غالية عادة، ولكننا نقبل بذلك”. لذا يجب حساب أسعار شراء المواد بدقة، ليكون بيعها بأسعار رخيصة ممكنا. ويجب على المنظمة (التعاونية) تحمل جزء من التكاليف، لكي تبقى الأسعار رخيصة.
الأحزاب منافسة!
فريق المن والسلوى، لا يهدف فقط إلى بيع المواد الغذائية بأسعار رخيصة معقولة، وإنما لدى مريام يونس ونوال طرابلسي رسالة سياسية اجتماعية أيضا: “منافسون الكبار، ليسوا المحلات التجارية الأخرى فقط، وإنما الأحزاب السياسية أيضا! فالناس يذهبون إلى الأحزاب التي تمثل طائفتهم الدينية ويحصلون هناك على الرز والمعكرونة والسكر. ولكننا لا نريد أن يعتمد الناس على زعمائهم السياسيين ولا على زعمائهم السياسيين أو الدينيين توضح طرابلسي.
وفي الحقيقة، فإن جزءا كبيرا من الخدمات الاجتماعية لا توفرها الدولة اللبنانية، وإنما منظمات أخرى بعضها سياسية وبعضها جمعيات خيرية دينية، والتي غالبا ما ترى أنها تمثل مصالح مجموعة محددة من الشعب. ومن بين الخدمات والمساعدات التي تقدمها هذه المنظمات والجمعيات مساعدات للتلاميذ ومصاريف الطبابة والمستشفى وحتى تقديم مواد غذائية. “هذه المساعدات ذات الطابع الديني الطائفي أدت إلى نظام مجزأ وغير منتظم وإلى تسييس الوصول إلى الخدمات الاجتماعية” حسب ما جاء في تقرير نشره معهد كارنغي في صيف عام 2023 أعدته حنين سيد، خبيرة شؤون التنمية والحماية الاجتماعية في الشرق الأوسط.
ويعني هذا أن المواطنين المخلصين لزعمائهم السياسيين والدينيين، هم الأولى بالحصول على المساعدات الاجتماعية من هؤلاء غير المخلصين. وتوضح حنين سيد “بذلك يعزز هذا النظام غير الرسمي للمساعدات الاجتماعية، الزبائنية والمحسوبية الراسخة في البنية الاجتماعية في لبنان”.
“التخلص من الطائفية”
تتمنى نوال طرابلسي أن يساهم سوبر ماركت المن والسلوى في التخلّص من الطائفية السياسية الدينيّة في لبنان. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا إذا تخلص الناس من الاعتماد على زعمائهم السياسيين. “طبعا نحن عبارة عن متجر يبيع المواد الغذائية بأسعار مناسبة، لكن الهدف أبعد من ذلك: نريد التخلص من الطائفية”.
ويأمل القائمون على السوبر ماركت، أن يستطيع هذا المحل الصغير تأمين احتياجات 350 – 500 عائلة بشكل منتظم وأن يزداد عدد أعضاء التعاونية. ومن أجل ذلك يريد فريق السوبر مار كت تنظيم حملات دعائية.
“آمل أن يتسوق المزيد من الناس هنا” يقول زبون المحل يوسف قبل أن يغادر حاملا معه حاجياته التي اشتراها بسعر رخيص، ويضيف “هذه التعاونية فكرة جيدة”.
DW.comالمصدر: