على دماء رفيق الحريري عام ٢٠٠٥ خرج لبنان لفترة وجيزة من مرحلة “وحدة المسار والمصير” التي كان فرضها الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في ذروة الوصاية السورية على لبنان، على قاعدة الشعار الذي كان الأسد رفعه في احد خطبه ان في لبنان وسوريا شعبًا واحدًا في بلدين. يومها كان كلا خصوم سوريا وحلفائها على يقين ان حافظ الأسد اطلق هذا الشعار معتبرا نفسه “بسمارك” العرب الذي سيوحد بلاد الشام، اقله لبنان وسوريا في إقليم واحد تحت قيادته الأبدية!
توفي حافظ الأسد عام ٢٠٠٠، وانسحب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان في العام نفسه. تولى بشار الأسد مقاليد الحكم في سوريا مواصلا اتباع سياسة والده الاندماجية تجاه لبنان انما بتسرع اكبر ودراية اقل. في العام ٢٠٠٥ وبعدما تفاقم الخلاف حول رئاسة الجمهورية والتمديد للرئيس الأسبق اميل لحود، وتغير المناخ الدولي حول الوكالة الدولية التي منحت عام ١٩٩٠ لنظام الأسد لحكم لبنان، واغتال ثنائي “حزب الله” والنظام السوري رفيق الحريري في خضم صراع محلي ودولي كبيرين، فثارت الغالبية العظمى من اللبنانيين على الوصاية السورية، وخرج الجيش النظامي السوري من لبنان في نيسان ٢٠٠٥، وخرجت معه مقولة “وحدة المسار والمصير”. لكن وصاية أخرى ورثت سوريا- الأسد في لبنان، وسمعنا اعلانا صريحا عن ولادتها في اجتماعات قصر “سان كلو” في باريس عام ٢٠١٧ الذي نظمته فرنسا للقوى السياسية اللبنانية، عندما خرج احد ممثلي “حزب الله” ليقول للمشاركين ان حزبه هو من ورث وظيفة النظام السوري في لبنان، وقد اصبح الناظم الأمني والسياسي في البلاد.
منذ ذلك الوقت انطلقت ماكينة “حزب الله” السياسية والأمنية والعسكرية في حملتها لوضع اليد على لبنان بشتى الطرق والتكتيكات. حتى وصل بنا الامر اليوم الى واقع يشير الى ان الذراع الايرانية في لبنان أكملت او تكاد تكمل دائرة الهيمنة على الواقع اللبناني الداخلي.
وقد بدا جليا مدى تحكم “حزب الله” بتوجهات شريحة واسعة من السياسيين والقيادات، ووزن الحزب المذكور فيما يتعلق بالقرار السيادي وبآليات السلطة ومؤسساتها الرسمية. فقد أتت تصريحات عدة لرئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي حول مسألة الحرب الصغيرة الدائرة على ارض الجنوب اللبناني لتؤكد بالملموس ان صاحب القرار في الحرب والسلم في لبنان هو “حزب الله” وان الطاقم الحاكم ليس اكثر من اداة تنفيذية تمتلك “ميزة” شرعية الدولة وتجيّرها للتغطية على سلوك “حزب الله” الذي بادر مع اندلاع حرب غزة في ٧ تشرين الأول – أكتوبر الماضي الى اشعال حربه الإقليمية الصغيرة انطلاقا من الجنوب بداعي مساندة قطاع غزة والفصائل الفلسطينية التي تقاتل إسرائيل هناك. وذهب الحزب المذكور الى حد فتح منطقة الجنوب والحدود اللبنانية مع إسرائيل امام حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” لتعلن مسؤوليتها عن عمليات عسكرية ضد إسرائيل تحت شعار “وحدة الساحات”. وقد “ابدع” الرئيس ميقاتي برفضه وقف اطلاق النار من لبنان مشترطا وقف اطلاق النار في غزة. وبذلك التحقت الدولة اللبنانية بأسرها بالدويلة رغما عن انف الغالبية العظمى من اللبنانيين الرافضة للتورط في حروب الآخرين انطلاقات من ارض لبنان. لكن وزير الخارجية عبد الله ابو حبيب كان اكثر صراحة وجرأة من ميقاتي في تصويره لحقيقة الامر الواقع الذي يفرض على لبنان واللبنانيين، عندما المح في احدى مقابلاته التلفزيونية الأخيرة ان الحزب المذكور قد يشعل حربا أهلية ان واجه معارضة لقراره بربط لبنان بالساحات الإيرانية والاخرى. قال ما معناه، ان خيرنا بين الحرب الإقليمية والحرب الاهلية فسنختار الحرب الإقليمية لأنها تنتهي اما الحرب الاهلية فلا تنتهي.
و”وحدة الساحات” التي رفعها “حزب الله” شعارا له تعكس ربطا دائما للبنان بحروب المنطقة. وبدلا وحدة المسار والمصير مع سوريا الأسد صرنا بوحدة الساحات الإيرانية التي تضم خمسة او ستة بلدان في الإقليم. وبدلا من ان يدار لبنان من دمشق بات يدار من طهران بواسطة ذراعها اللبنانية. انما مشكلة لبنان الحقيقية ان معظم قياداته التي تفتقر الى الجرأة والشجاعة لذلك انتقلت البلاد من وصاية احتلالية الى وصاية احتلالية أخرى يديرها وكيل محلي.
علي حمادة- نيوزاليست