لنكن صريحين. إن كل المكونات اللبنانية تتجه بخطى حثيثة في اتجاه إقامة نوع من الأمن الذاتي. فإعلان بلدية أدما قبل أيام عن ترتيبات “أمنية” داخل نطاق البلدة ليس الأول ولن يكون الأخير. ليس الأول لأن من يدقق قليلاً في حال المناطق خارج المدن الكبرى سرعان ما يكتشف أنماطاً متنوعة من الأمن الذاتي. تارة يكون بلدياً، وطوراً يكون حزبياً أو مذهبياً. في كل الأحوال لا تمثل بلدية أدما استثناءً، بل إنها قاعدة تترجم واقعاً يتمدد في كل لبنان.
وإن كان إعلان بلدية أدما الحديث عن ضرورة إقامة أمن ذاتي في المناطق والبلدات والأحياء تزايد في المرحلة الأخيرة، على خلفية انفجار معدلات النزوح السوري الى لبنان، فإن الأمن الذاتي موجود قبل النزوح، وازداد الداعون إليه ولا سيما في البيئات اللبنانية التي تعارض سلاح “حزب الله”. فالبيئة الحاضنة لـ“حزب الله” تمتلك أمناً ذاتياً لا بل أكثر. إنها تمتلك من خلال “حزب الله” و”حركة أمل” قوى مسلحة تضاهي قوة الدولة بكافة فروعها العسكرية والأمنية، وتتفوق عليها. كما أن الكلمة الأخيرة في مناطقها بيدها، ولا يشاركها فيها أي طرف رسمي أو غير رسمي. بمعنى أن مناطق البيئة الحاضنة لـ“الثنائي الشيعي” مسلحة بشكل كبير، أما الدولة فـ”مرجعية” خاضعة للمرجعية العليا المعروفة. وللتذكير ثمة جيوش جرارة مؤلفة من آلاف المسلحين في مناطق العشائر في البقاع، والدولة تتعايش معها ومع سلاحها الضخم. أما مؤسسات الدولة الأمنية والقضائية والمدنية فواجهات لسياسة الحد الأدنى من مظاهر الدولة.
بالنسبة الى مناطق البيئات المعارضة إجمالاً لسلاح “حزب الله”، لا نجد جيوشاً عشائرية، ولا أسلحة متوسطة، ولا قوى منظمة. ثمة أسلحة فردية وكميات ضئيلة من الذخائر الخفيفة. لكنْ ثمة خوف داخل هذه البيئات من عنصرين يُعتبران مصدر تهديد رئيسي: الأول هو سلاح “حزب الله” وثقافة رفض القانون والقفز فوقه بكل الوسائل المتاحة. ولعل حادثة سفارة أميركا وشاب “الديليفيري” ابن ثقافة “الممانعة” الذي حسب رواية القوى الأمنية “لم يتورّع عن الذهاب الى بيته وامتشاق رشاش حربي والعودة الى السفارة في منطقة من بيئة مختلفة عن بيئته وأطلق النار ثم غادر بشكل طبيعي! هذا السلوك الفردي خطر على البيئات من خارج بيئة “الثنائي الشيعي“. يضاف الى ذلك أن ثمة أحداثاً حصلت أخيراً مثل تلك التي شهدتها منطقة الطيونة في بيروت، والكحالة في جبل لبنان، تثير القلق من الثنائي بمحازبيه وجمهوره. وبالتالي لا بد من تأمين حماية ذاتية بالحد الأدنى. أما النزوح السوري فيأتي بالدرجة الثانية بعد الحالة التي يمثلها “الشركاء في الوطن” المدجّجون بالسلاح. ويستدعي النزوح السوري الفوضوي أمناً ذاتياً في مناطق عدة، وكذلك في أحياء المدن الكبرى، لأن موجة النزوح الأخيرة مريبة ومثيرة للقلق. والحقيقة أن الجيش اللبناني الذي يفعل ما بوسعه لتحقيق ما أمكن من الأمن غير قادر على أن يقوم بالمهمة وحده. فهو يحتاج الى أن يرفد بالأمن البلدي (شبه الرسمي) المدعوم من الأمن الذاتي (الأهلي) في مختلف المناطق اللبنانية حيث يخشى من حصول أحداث أمنية.
إن الأمن الذاتي آيل الى أن يصبح القاعدة. أما الأمن الرسمي دون شريك فسيصبح استثناءً، الى أن تتم إزالة الميليشيات، ويُنزع السلاح غير الشرعي الطاغي، وتقوم الدولة.
نشر في “النّهار”