إذا تحوّلت الهدنة المؤقتة في قطاع غزّة، وفق مقتضيات اتفاق تحرير الرهائن والأسرى، الى هدنة دائمة، تكون حرب “السيوف الحديديّة” قد انهزمت أمام حرب “طوفان الأقصى”، إذ إنّ الجيش الإسرائيلي، وعلى الرغم من إجازة القتل التي أخذها على مدى سبعة وأربعين يومًا، لم يستطع أن يحقق أيّ هدف أعلنته الحكومة: إخراج “حماس” من قطاع غزّة وتحرير الرهائن.
وفي الواقع، عجز الجيش الإسرائيلي عن السيطرة حتى على شمال قطاع غزّة، كما لم يتمكن، بقدراته الذاتية، إلّا من تحرير مجنّدة واحدة واستعادة جثتين كانتا في محيط مستشفى الشفاء، من أصل 240 رهينة خطفتهم “حماس” من جنوب إسرائيل في هجوم السابع من تشرين الأوّل( اكتوبر) الماضي.
وإذا كانت حركة “حماس” وفق ما سبق أن قاله نائب رئيس مكتبها السياسي موسى أبو مرزوق ليست مسؤولة عن سلامة المدنيّين في قطاع غزّة بل عن “المقاومة”، فهذا يعني أنّ أيّ خسائر جوهريّة لم تلحق بهذا التنظيم الذي سيستفيد، من دون شك، من الهدنة المؤقتة التي اضطرت الحكومة الإسرائيليّة على الموافقة عليها، من أجل إعادة تنظيم صفوف مقاتلي “كتائب القسّام” وتفعيل التغييرات الضروريّة في خطط المواجهة.
ويمكن ل”حماس”، وفق اتفاق تبادل الرهائن والأ سرى الذي توصلت إليه مع إسرائيل، أن تطيل أمد الهدنة المؤقتة، إذ إنّها تكسب يومًا جديدًا لقاء إفراجها عن عشر رهائن جددًا.
ومن شأن هذا التكتيك في التعامل مع ورقة الرهائن التي لم تنجح الحكومة الإسرائيليّة في حجب الإهتمام الداخلي بها، أن ينتزع من تل أبيب قوة الدفع التي وقفت وراء إطلاق حرب طموحة الأهداف، من جهة أولى وأن يُعطي نفحة أوكسيجين لجمرات الإنقسام السياسي داخل إسرائيل، من جهة ثانية وأن يفعّل التدخلات الأميركية والأوروبية والعربية التي تعاني من اضطرابات في الرأي العام فيها، وذلك للحيلولة دون عودة إسرائيل الى لغة الحرب، من جهة ثالثة.
وفي حال تحقق ل”حماس” ما ترمي إليه من أهداف، تكون قد حققت انتصارًا فعليًّا، فهي قاومت “حرب إلغائها”، وبقيت سيّدة ملف الرهائن، وتحوّلت، بفضل دماء الأطفال والنساء، إلى ضحية بعدما كانت في السابع من تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي جلّادًا، في مقابل خسارة إسرائيل كل شيء: سمعة جيشها، فاعليّتها العسكريّة، أمان شعبها، استقرار مجتمعها والقانون الدولي!
بطبيعة الحال، لا تغيب هذه الوقائع عن الحكومة الإسرائيليّة، لا بل إنّ كثيرًا منها كان وراء تصويت ثلاثة وزراء من اليمين الصهيوني المتطرف ضد اتفاق تبادل الرهائن والأسرى، في اجتماع شهد نقاشات صاخبة إست مر سبع ساعات امتدت من مساء أمس الأوّل، الثلاثاء حتى فجر أمس، الأربعاء.
ويبدو أنّ ضمانة رافضي كل محاولة لوقف الحرب ضد قطاع غزّة، لا تكمن في الإستراتيجيّات بل في السياسة، فرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، في حال لم يستمر ب” السيوف الحديديّة”، سوف يواجه مصيرًا أسود، وكذلك حال قيادة الجيش الإسرائيلي، فالمساءلة الحقيقيّة عن الفشل الكبير في السابع من تشرين الأوّل( اكتوبر) تنتظر انتهاء الحرب، خصوصًا مع توافر أدلة كثيرة على أنّ المستويين السياسي والعسكري كان بإمكانهما منع هجوم “حماس” أو على الأقل التصدّي له، لأنّ إمكان حصوله، من جهة وتفاصيله، من جهة أخرى لم تكن في الواقع مفاجأة بل بدت وكأنّها نتاج إهمال في الوقاية وسوء في التقدير.
وبعيدًا من الأسباب السياسيّة الداخليّة لعدم استعداد إسرائيل لوقف الحرب، هناك أسباب استراتيجية، إذ إنّ ليس “حماس” فقط من سوف تخرج منتصرة من توقف الحرب بل كل “محور المقاومة” بقيادة الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، في مقابل خسارة إسرائيل لجاذبيّتها الإقليميّة، بحيث لا تعود شريكًا نافعًا يلبي أهداف الخلفيات الحقيقية للإتفاقيات التي عقدتها أو تطمح الى عقدها مع عدد من الدول العربيّة.
ويغياب مشروع سلمي واقعي في المنطقة، فإنّ توقف الحرب حيث انتهت إليه، من شأنه أن يفقد إسرائيل ثقة سكانها بها، فلا تتوقف الهجرة إليها بل تبدأ الهجرة منها أيضًا، إذ إنّ أحدًا، ومهما كانت الضمانات، لن يقبل بأن يجاور الحدود مع غزة ولبنان والضفة الغربية.
وبناء على هذه التقديرات، فإنّ الهدنة المؤقتة سوف تبقى مؤقتة ولن تؤدي الى وقف دائم لإطلاق النار، وهي، بعد “استراحة المحارب” سوف تكون أعنف ممّا كانت عليه، لأنّ إسرائيل، بفهمها لنفسها، لا تخوض حربًا “تأديبيّة” بل حربًا وجوديّة، ولهذا فهي لديها الكثير لتقوله ليس في غزّة فقط بل في جنوب لبنان أيضًا.
وحتى لا يحصل ذلك، لا بدّ من تحريك مشروع حل حقيقي يشمل إسرائيل وغزة ولبنان، لأنّ “طوفان الأقصى” فتح باب الجحيم الذي لن يغلقه إلّا سلام حقيقي لا يبدو متوافرًا إلّا في أحلام الضحايا المحتملين!