ساطع نور الدين
لكي يظل جنوب الليطاني مكاناً صالحاً للعيش، ولكي لا تطول هجرة شيعة لبنان، وغيبتهم الثانية أو الثالثة.. يبدو أن مصلحة لبنان الوطنية العليا، التي لم تعد تحتمل الشك والجدل او التأجيل، هي في ان تتطاير الصواريخ بين إيران وإسرائيل، مباشرة، وتتحول من عرض متقطع للألعاب النارية، الى حقل للخراب المتبادل، يبدأ بضرب أهداف استراتيجية حيوية، ولا ينتهي إلا بإعلان استسلام البلدين، او انتصارهما معاً، لا فرق.
المهم ألا يستمر التردد والتريث ، وحبس الانفاس، وأن يتوقف تسريب الوثائق والخطط والتحذيرات والانذارات. لم يعد مفهوماً أبداً كيف تتخلى إسرائيل وإيران معاً عن عنصر المفاجأة الذي كان عبر التاريخ شرطاً من شروط الخروج الى أي حرب، وضماناً أكيداً للنصر بها. الحرب ليست لعبة على “البلاي ستايشن”، وضحايا تأجيل خوضها أكبر وأهم من كل الخسائر والاضرار التي يمكن تلحق بالبلدين المتربصين ببعضهما البعض منذ ثلاثة أسابيع أو ثلاثة اشهر او ثلاثة عقود..
لا حل في لبنان من دون هذه الحرب، طالما أن فرصة التفاوض والحل بين إسرائيل وإيران قد ضاعت فعلاً. وباتت المواجهة بينهما تمس هيبة الدولتين ومستقبل النظامين، وقدرتهما على الردع، وكذلك دورهما في العالم العربي، الذي يفصل بينهما، ويشكل حاجزاً جغرافياً واقعياً، يصل الى نحو ألفي كيلومتر، وعائقاً سياسياً افتراضياً يقوم على زعمٍ بان المشرق ا لعربي هو مجال للتنافس الإيراني والإسرائيلي على النفوذ !
لا حل في لبنان من دون تلك الحرب، طالما أنه غير مؤهل حتى للتحول الى حيز للمنافسة السياسية بين طهران وتل ابيب، اللتين تدعيان حتى الآن على الأقل انه ليس لديهما خطط للهيمنة التامة على لبنان، على غرار الخطط التي شاعت في الثمانينات والتسعينات، وأدرجت في سياقها بعض وقائع العشرية الأولى من القرن الحالي.
الصراع الإيراني الإسرائيلي، لا يمكن أبداً أن يحسم في لبنان، حتى ولو أدى الى استئصال الشيعة وتحويل كل بيت أو عقار يملكه شيعي داخل الجمهورية اللبنانية الى أرض محروقة ومدمّرة ومحرّمة. زيادة الاكلاف على الطائفة وعلى لبنان، لن تؤدي الى رفع الرايات البيضاء، التي تمهد لفتح قنوات التفاوض مجدداً بين الإسرائيليين والإيرانيين. فات الأوان على مثل هذا الاحتمال. ولم يبق سوى الاشتباك المباشر، والمفتوح، أو بتعبير آخر، الحرب التقليدية التي تنهي فترة الاختبارات والانذارات والعروض النارية، التي لم تجدِ نفعاً، ولم تزحزح المواقف والمواقع حتى في الجنوب والبقاع والضاحية..حيث الدمار الشامل بات هو العنوان الوحيد.
في الوثيقتين السريتين اللتين سربتا يوم الجمعة الماضي في واشنطن، عن الخطط الإسرائيلية لمهاجمة ايران فقرة مرعبة، لم يلتفت إليها كثيرون، مع أنها كانت على الأرجح القصد الفعلي من التسريب، الذي لا يوحي أبدا بان اميركا تخلت عن إدارتها اليومية المباشرة للعمليات العسكرية الإسرائيلية. هذا عدا عن الإشارة في الوثيقتين الى أن إسرائيل لن تحتاج الى استخدام سلاح الطيران، لكي لا تحرج أحداً من حلفاء أميركا الخليجيين، بل يمكن ان تكتفي بإستخدام الصواريخ من الأرض.. أو من البحر( الغواصات)، كما تنشر الصحف الإسرائيلية حالياً.
وفي المواقف الإيرانية المرتفعة، ومعها الصواريخ المنطلقة من لبنان هذه الأيام نحو تل ابيب وحيفا، ما يشير الى ان طهران لن تتأخر في الرد على الضربة الإسرائيلية، بما يفوق كل ما شهدته جولات المواجهة السابقة. وهو ما يبدو أنه هذه المرة ليس أداة للردع، او للإنذار المبكر.. بل قرار يحتاج الى التنفيذ وينتظر الفرصة المناسبة.
لم يبق سوى التوقيت، وأي تأخير يعني المزيد من الدماء والدمار والتشرد للشيعة، والخراب للبنان، الذي لن يقوى على تحمل المزيد من الانتظار حتى يتغير مسار تبادل الصواريخ البعيدة المدى.
صفحة الكاتب في مواقع التواصل الاجتماعي