مع فقدان مقومات العيش كافة، يصبح الناجون من الكوارث الطبيعية عرضة لعصابات الاتجار بالبشر، وذلك ما بدأ كثر يحذرون من مخاطره، خلال عمليات الإغاثة بعد زلزال المغرب، وإعصار دانيال في ليبيا.
وتنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي صور وتسجيلات من المناطق المنكوبة في المغرب، أثارت قلق جمعيات محلية معنية بحقوق الإنسان، لتضمنها أفعالاً أو عبارات تندرج تحت إطار التحرش أو الاستغلال الجنسي والاتجار بالبشر.
ودعا بعض مستخدمي وسائل التواصل إلى تزويج الفتيات المتضررات بهدف “مساعدتهنّ وسترهنّ”، ما فتح النقاش حول ضرورة تقديم الحماية والدعم للأطفال المتضررين خصوصاً من فقدوا ذويهم وأصبحوا بلا مأوى.
وأشارت جمعيات عدة أنها باشرت بتوثيق حالات الاتجار بالبشر المحتملة واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لمنعها.
وغالباً ما يكون المتضررون من الكوارث عرضة للاتجار بالبشر، نظراً لوضعهم المعيشي الهشّ وتشرّد الأسر ودمار المنازل، إلى جانب تركيز السلطات على عمليات الإنقاذ، ما يجعل الحماية الفعالة غائبة بشكل كامل أو جزئي.
من هم الأكثر عرضة للاتجار بالبشر؟
يعدّ الأطفال الأيتام أو الذين انفصلوا عن ذويهم جراء الكارثة، الفئة الأكثر عرضة لخطر الاتجار بالبشر، بعد الكوارث. ومن الفئات الأكثر تضرراً، النساء اللواتي فقدن منازلهن وسبل العيش، إضافة إلى المهاجرين الذين يصلون إلى المناطق المنكوبة للعمل، وذلك بحسب مجلة “دوميستيك بريبيردنس” (Domestic Preparedness) الأمريكية المختصة.
وترتفع عمليات تبني الأطفال غير القانونية بعد الكوارث، إذ يستغل المتاجرون أطفال المناطق المنكوبة، ويبيعونهم إلى عائلات في بلدان أخرى، تحت شعار مساعدة طفل محتاج.
ويستهدف الاتجار بالبشر الفتيات الصغيرات، خصوصاً في البلدان التي لا تجرم تزويج القاصرات، ما يعرضهن للاستغلال الجنسي والتزويج المبكر. كذلك قد تتعرّض النساء للاتجار بهنّ لأغراض جنسية.
وبحسب المجلة، تفقد النساء بعد الكوارث منازلهنّ وأزواجهنّ ووظائفهنّ، ما يعرضهن للفقر الشديد والديون، وهما نقطتا ضعف تجعل منهن أهدافاً سهلة للمتاجرين بالبشر.
وغالباً ما يصطاد المتاجرون الضحايا من خلال توفير المأوى، أو الماء، أو الطعام، أو العمل، مستغلين حاجة الناجين إلى كسب دخل مالي.
وإن لم تتمّ إدراتها بشكل صحيح، يمكن أن تكون المخيمات أو الملاجئ المؤقتة بعد الكوارث، نقاطاً يتجه إليها المتاجرون بالبشر “لصيد” ضحاياهم المحتملين.
ما هي أبرز الحالات المسجلة حول العالم؟
في أغسطس/آب 2005، بعدما ضرب إعصار كاترينا ولاية لويزيانا الأمريكية، وقع بعض الناجين ضحايا للاتجار بالبشر. ووفق دراسات نشرتها “دوميستيك بريبيردنس”، تمّ التعرف على أكثر من 3750 ناجٍ من الاتجار بالبشر، خلال السنوات الخمس التي تلت الإعصار.
وأشارت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، أن الرجال الهندوس الذين ذهبوا إلى لويزيانا للعمل في أعقاب الإعصار، وقعوا ضحايا للاتجار بالبشر بغرض استغلالهم في أعمال غير مدفوعة.
وبعد زلزال عام 2010 في هايتي، هُرّب عدد غير محدد من الأطفال من البلاد للتبني الدولي، بشكل غير قانوني.
وفي حينه، قال مستشار اليونيسيف جان لوك لوغران إن نحو 15 طفلاً اختفوا من المستشفيات، ويرجح أنهم خطفوا.
وفي العام 2017، بعد إعصار هارفي، انتشرت إعلانات تعرض أماكن إقامة مجانية على أي “فتيات جميلات يرغبن بكسب بعض المال بسرعة واسترداد الخسائر الناتجة عن إعصار هارفي”.
وفي أحيان كثيرة، تجد عصابات الاتجار بالبشر في توافد أعداد كبيرة من العاملين في البناء والصيانة إلى منطقة الكارثة، فرصة، لتقديم خدمات جنسية مدفوعة، عبر استهداف ضحايا الكوارث الضعفاء.
وبحسب “إدارة الأطفال والعائلات”، وهي أحد أقسام وزارة الصحة والخدمات الإنسانية بالولايات المتحدة، فإن الاتجار بالبشر زاد أيضاً بعد الجفاف في العام 2011 في القرن الأفريقي، وبعد إعصار هايان في العام 2013 في الفلبين.
ومن جهتها، وثقت المنظمة الدولية للهجرة، زيادة في حالات الاتجار بالبشر بعد زلزال 2015 في النيبال، والذي أثر على ثلثي السكان. وأشارت إلى أن تلك الحالات تمحورت بشكل رئيسي حول الاستغلال الجنسي للفتيات والنساء.
ويعيد هذا السرد إلى الأذهان، حادثة حصلت خلال زلزال تركيا وسوريا في شهر فبراير/شباط الماضي، حين عرض آلاف الأشخاص على مواقع التواصل الاجتماعي، تبني طفلة سورية تمكنت فرق الإنقاذ من انتشالها في ريف حلب، وهي لا تزال مربوطة بحبل والدتها السري، بعد وفاة والديها.
ويمكن أن يشكل هذا النوع من العروض مثالاً واضحاً وبسيطاً عن كيفية حدوث عملية اتجار بالبشر محتملة. كيف يمكن ردع المتاجرين بالبشر؟
في عام 2008، أشارت الجمعية العامة للأمم المتحدة للمرة الأولى، من خلال قرارها رقم 63/156، إلى ضرورة معالجة مشكلة الاتجار بالنساء والفتيات في سياق حالات الطوارئ.
ويشجع القرار الجهات العاملة خلال حالات الكوارث والطوارئ على الانتباه إلى الأدلة التي تشير إلى زيادة تعرّض النساء والفتيات للاتجار والاستغلال.
وتشدد المنظمة الدولية للهجرة على أنه، ونظراً للبيئة المعقدة التي تصاحب حالات الطوارئ، لا تدرج قضية الاتجار بالبشر ضمن أولويات الجهات الحكومية وغير الحكومية العاملة في الاستجابة للكوارث.
وتعمل المنظمات غير الحكومية حالياً في غالبية البلدان التي تضربها كوارث طبيعية على رصد وتوثيق أي حالات محتملة للاتجار بالبشر، كما تنشر التوعية في المجتمعات المتضررة، لرصد تلك الحالات والتبليغ عنها.
وبغياب أي خطة واضحة لحماية المتضررين من كوارث طبيعية، قد يتعرض آلاف الناجين لخطر عصابات اتجار بالبشر، تتحكم بحياتهم ومستقبلهم، وتعرّضهم لمخاطر جسدية وصدمات نفسية لا تقلّ هولاً عن تبعات الكارثة الطبيعية.