"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

كيف تتخّذ القرار الصائب وتتحاشى مخاوف التسرّع ومخاطر التردّد؟

كريستين نمر
الثلاثاء، 23 مايو 2023

كيف تتخّذ القرار الصائب وتتحاشى مخاوف التسرّع ومخاطر التردّد؟

غالبًا ما يعتقد المرء، أنه، لكي تكون قراراته صائبة، لا بدّ من اللجوء الى الحجج المنطقيّة، البعيدة عن التحيّزات المعرفية والتأثيرات العاطفيّة، وأنّ عليه وزن الإيجابيات والسلبيات، فكونها عقلانية ومدروسة، هذا يعني أنه من الممكن التحكّم بها.

إلا أنّ الأبحاث بيّنت أنّ ما يُعرف ب”السجل الواعي” في العقل البشري، لا يمثّل إلا جزء بسيط من وظائف الدماغ، إذ يحتوي على العديد من أوضاع التشغيل التلقائية التي يصعب التحكّم بها، وتسمّى علميًا “بالأنظمة”، بحيث تتفاعل جميعها في الدماغ مع تلك التي يمكن الوصول إليها من خلال السيطرة الواعية، من هنا حتّى لو تمّ الاعتقاد أن كل شيء تحت السيطرة، فإن المرء، في الواقع يتأثر بالأداء التلقائي لدماغه المجهّز ببرامج سلوكيّة قويّة تحميه من الأخطار المحتملة.

بمعنى آخر عندما يجد المرء نفسه أمام شخص مختلف عنه جسديًا أو ثقافيًا، يتم تنشيط برنامج التنبيه تلقائيًا، بحيث ينتابه شعور بالقلق وعدم الثقة، كأن يرفض مثلًا أن يختاره كشريك محتمل له في الحياة أو في العمل، ويمكن ملاحظة هذا الرفض فزيولوجيًا من خلال التعرّق وتسرّع دقّات القلب والنفس المتقطّع…

2018-photo-centree 1551453610311

              فيليب دامييه

ويعتبر أستاذ علم الأعصاب في مستشفى جامعة نانت فيليب دامييه philippe Damier إنّ الدماغ يحاول باستمرار تعديل سلوك الإنسان وذلك باعتماده على وظائف أساسية مثل السرعة والتنبؤ والتوقّع ، فمثلاً لا داعي للتفكير المسبق في الإيماءات لإمساك فنجان القهوة، لا بل يمكنه التركيز على أشياء في الوقت عينه، بحيث، أنّ أنظمة الدماغ قد تعمل تلقائيًا وبسرعة لاتخاذ قرار الإمساك، والشيء نفسه ينطبق على اتخاذ القرار، فبين اتخاذ قرار على عجل مثلًا أو تعزيز الخيارات التي ستبقيه في منطقة الراحة ، يمكن للدماغ استخدام إشارات من بيئته ، من دون معالجتها على مستوى واع، وقد تكون العواطف التي نشعر بها مثلًا، هي واحدة من هذه القرائن.

العواطف ودورها في اتخاذ القرارات

في دراسة أجراها أستاذ علم الأعصاب الأمريكي أنطونيو داماسيو Antonio Damasio على مرضى لم تعد أدمغتهم تتلقى معلومات عاطفية ولكنهم ظلوا قادرين على التفكير، تبيّن أنهم يستغرقون وقتًا أطول بكثير، من متوسط الأشخاص العاديين، في اتخاذ القرارات، إلا أنهم عبّروا عن اندفاع كبير في اتخاذها.

df58ead 2328-su89xg.3qltk

                          أنطونيو داماسو

ولكن هل هذا يعني أنه من خلال اللعب على العواطف قد تجعل المرء يتصرّف بشكل مختلف عما خطّط له؟

يرد داماسيو بالإيجاب ويقول: “هذا ما يقوم به بالتحديد مروّجو الإعلانات التجارية للتسويق للبضائع ولإثارة الرغبة في الشراء لدى الزبون بحيث أنهم يستخدمون الحِيَل التي ستلعب على البعد العاطفي، كالملصقات والعطور والموسيقى …

وينصح داماسيو للإفلات من حصار المشاعر، “أن نستمع إلى إشارات يرسلها الجسم، مثل تسارع دقّات القلب أو الشعور بعقدة في المعدة أو جفاف في الحلق… ويقول: “كلها إشارات تمنعنا من اتخاذ القرارات المتسرّعة والخاطئة”.

بالإضافة إلى ذلك، لتجنّب الاعتماد المفرط في اتخاذ القرار التلقائي الذي لا يتوافق دائمًا مع ما يتمناه المرء، ينصح داماسيو بمضاعفة الوعي، كون نظام الدماغ العقلاني والواعي يخضع بالفعل لسيطرة قدرات الانتباه، إذ أنّه تحت تأثير التعب، يفقد الكفاءة، وبالتالي يصبح أكثر عرضة لتأثيرات الأنظمة الآلية.

مثلًا: إذا ذهبت إلى السوبرماركت وكنت جائعًا، فإنك تخاطر باتخاذ قرارات الشراء بطريقة تلقائية وبديهية وعاطفية وأقل منطقية. ربما يكون من الأفضل أن تذهب للتسوق في الأوقات التي تشعر فيها بأنك في حالة جيدة وتستمتع بكل طاقات الانتباه المتاحة لديك.

كما أنّ هناك أشخاصًا يقومون بوضع ما يسمّى بقائمة “مع أو ضدّ”، باعتبار أنّ الانتقال إلى المرحلة المكتوبة قد يكون مفيدًا في اتخاذ القرار، بحيث يقومون بإعداد لائحة بالسلبيات أو الإيجابيات باعتقادهم، أنهم بذلك يتحاشون اتخاذ القرارات المتسرّعة، هذا عدا عن اعتقادهم بأنّ الكتابة تساعد على التفكير، فهي تنشّط العقل وتجعله يتخّذ قرارات عقلانية.

الحدس يتكلّم

إنّ للحدس أهمية كبرى في اتخاذ القرارات لدى البعض، وقد يعتمدون عليه حتى في القرارات المصيرية فإلى أي مدى يمكن الوثوق به؟

يقول philippe Damier، “لا يمكن الاعتماد على الحدس وحده إنما يجب ان يترافق مع الخبرة”، مثلًا إذا شعرت الممرضة أن المريض ليس على ما يرام، وإذا كانت من ذوي الخبرة، فمن المحتمل أن تكون على حق، فضربات القلب السريعة والشحوب على وجه مريضها مثلًا، يمكن لدماغها المدرّب على تقديم الرعاية أن يكتشف حالته بسرعة وبتلقائية فيأتي تفسيرها لوضعه صحيحًا.

إذن يمكن الاعتماد على الحدس في حال توافق مع الخبرة، فهذه الممرضة نفسها، لا يمكن أن يحدّثها حدسها في حال استشيرت بشأن محرّك سيارة مثلًا، فالحدس ليس له بقدرات الإنسان الخارقة على معرفة ما سيحصل لاحقًا.

وقد ربط البعض تثبيت المعلومة بالتوافق مع المعطيات الموجودة في بيئة الشخص، حتى في حال عدم إعطائها أي أهمية حقيقية، إلا أنه قد يتم ممارستها بطرق عدة، خصوصًا في المواقف التي يواجه فيها الأرقام.

cedfa6cd9d9b0c01b013c3bb4395f57625d5ce69 1600x1200

                                 دانيال كانيمان

فقد أظهر دانييل كانيمان Daniel Kanheman الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد هذا الأمر في سبعينيات القرن الماضي، بعدما طلب في إحدى التجارب من المشاركين أن يديروا عجلة تضم الرقمين ٢٥و ٦٥، ثم طلب منهم تقدير عدد الدول الأفريقية الموجودة في الأمم المتحدة (اليوم هناك ٥٣ دولة)، أولئك الذين وقعوا على الرقم ٢٥ قدرّوها بحوالي الثلاثين، في حين قدّرها الفريق الآخر بنحو خمسين دولة، ومع تكرار هذه التجربة لمرات عدّة، مع مشتركين وأرقام وأسئلة مختلفة بقي الاستنتاج نفسه بحيث أثّرت الحقيقة البسيطة المتمثلة في إعطائهم مؤشرًا رقميًا على حكمهم، ومن دون علمهم بذلك، بقي تقديرهم قريبًا من “نقطة الارتكاز” هذه.

74748227-concept-de-code-de-casino-classique-2-2-5-2-2-numéros-chanceux-roue-de-roulette-avec-secteurs-noirs

لنأخذ مثلًا آخر، في حال التفاوض على شراء شقة، يكون للوكيل العقاري مصلحة في إعلام الزبون بارتفاع الأسعار، الذي يخاطر تلقائيًا بتقديم سعر أعلى مما كان يعتقده الشاري، وهذا المبدأ يعتمده الباعة الجوّالون، إذ يقدّمون سعرًا مرتفعًا لينتهي الأمر باستيعابه، فلتجنّب هذه التحيّزات، ينصح الخبراء بعدم التركيز على نقطة الارتكاز الأولى كمرجعية واحدة، إنما الأخذ في الاعتبار نطاقًا سعريًا محدّدًا للتمكّن من التفاوض والحصول على السعر المناسب للميزانية الموضوعة.

وما يصلح للأرقام صالح أيضًا للمعلومات الأخرى، بحيث يكون للإنطباع الأول التأثير الأهم والأوضح على القرارات المتّخذة.

المقال السابق
الملكة رانيا تنشر صورا من حفل حناء خطيبة ابنها رجوة آل سيف
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

"مفترس في هارودز" وثائقي يتهم محمد الفايد باغتصاب موظفات وابتزازهن

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية