هل يراودك هذا الشعور “القاتل” بعدم الرضا عن كل ما قمت وتقوم به، فتجد نفسك مفتقرًا للطاقة، عالقًا في الركود، عاجزًا عن القيام بأي شيء ذي منفعة؟
تتنوّع تطلعّات المرء عندما يتعلق الأمر بالقيام بالأشياء بشكل جيّد، لكن الشروع في التنفيذ يحتاج إلى عنصر رئيسي يُسمّى “الدافع”، أي الطاقة التي تمكّنه من تجاوز الرغبة البسيطة وتحقيق أهدافه على المدى الطويل.
ومن المعروف أنّ لكل فرد طاقة في داخله خاصة به، تدفعه إلى تنفيذ مشاريعه من خلال تنشيط بعض العوامل القوية في الدماغ، مثل التحدّي الذي يضعه لنفسه أو البحث عن المعنى في العمل، أو حتى من خلال العقوبات التي يفرضها على ذاته مسبقًا في حال الفشل!
كيف يمكنه الاستفادة من هذه الطاقة؟
يحدّد علم النفس الدوافع بنوعين: خارجية وداخلية، وقد جاء هذا التمييز بناء على نظرية “تقرير المصير” الشهيرة التي وضعها كل من ريتشارد رايان وإدوارد ديسي، حيث قاما بتوضيح استنتاجات تيار في علم النفس كان يسمّى بـ”السلوكية”، وبات يعرف اليوم بـ “الدافع الخارجي”، حيث كان يعتبر أنّ جاذبية الجوائز وتجنّب العقوبات تشكل الدافع الأساسي لسلوكيات المرء.
أما الدافع الداخلي فقد تمّ تحديده من خلال بعض الأفعال التي تُنفّذ للمتعة الفورية التي توفّرها ال لحظة، وتحدّدها دينامية الفرد الخاصة، من دون هدف أو طمع بجائزة أو تهنئة.
ويُشجع العديد من القادة ورؤساء الفرق والمدرّسين والمدرّبين الرياضيّين والآباء على تطوير الدوافع الداخلية، إلا أن الوسائل اللازمة لتنشيطها لا تزال غير متوافرة، فمتسلّق الجبال مثلًا، الذي يتحمّل معاناة شديدة للوصول إلى القمّة لا يفعل ذلك للمتعة فقط، إنما لإثبات شيء لنفسه، الذي يشكّل شكلًا من أشكال الجوائز الخارجية.
أما ماذا عن المهام التي لا تثير أي رغبة، كالأعمال المنزلية، والالتزامات الإدارية، والترتيبات، وواجبات الأطفال…؟
يقول علماء النفس أنه يتوجّب على الإنسان فهم دماغه ليتمكّن من “خداعه”، فدائرة الدافع في الدماغ تتضمن عددًا من المناطق أهمها ما يعرف بـ “سترياتوم” أو “نواة الشهوة”، التي تحفّز على اتباع بعض السلوكيات بانتظار المتعة التي ستتبعها، لذلك، يمكن للمرء تحدّي نفسه لما عليه القيام به من خلال وضع هدف زمني وزيادة مستوى الصعوبة وإدخال المنافسة مع النفس أو مع الآخرين…
من أين يأتي هذا الدافع؟
أثبت الباحثون في علم الأعصاب والعلم السلوكي أنّ الدماغ ينتج الدافع استنادًا إلى حساب الربح والخسارة، أي بتفوّق الفائدة المتوقعّة على الجهود اللازمة لتنفيذها، وقد حدّدوا عدة عوامل أهمها عامل الزمن، لما يلعبه من دور أساسي في هذه العملية الحسابية، فدماغ المرء يميل إلى تقدير الجوائز القريبة على حساب تلك التي تتطلب انتظارًا أطول، مثلًا يمكن للطفل أن يفضّل حصوله على قطعة حلوى واحدة في الحال، على حساب قطعتين لاحقًا، ومهما كانت الرغبة منخفضة ينصح الأستاذ في علم النفس إيف الكساندر تالمان بمكافأة النفس مع انتهاء العمل حتى ولو بإهدائها شيئًا بسيطًا تبغاه.
مفاتيح “الرافعات المحفّزة”
يعتبر إيف ألكساندر تالمان “إستراتجية” الالتزام المسبق سلاحًا فتّاكًا إذ أثبتت فعاليتها في تحقيق الأهداف المحدّدة، ويتمثل هذا الإجراء في الالتزام رسميًا بأداء مهمة معينة حتى لو اضطر الشخص على وضع شرط جزائي على نفسه في حال عدم تنفيذ هذه المهمة، على أن تترافق مع ثلاث “رافعات” لتعزيز الدافع وزيادة فرص النجاح كما يقول تالمان وهي:
أولًا: الرافعة العاطفية، وذلك من خلال تحديد هدف زمني وزيادة مستوى التحدّي وإدخال التنافس مع الذات والآخرين.
ثانيًا: الرافعة المعرفية، والتي هي الدينامو الأساسي لبعض المهن لا سيما التي لها علاقة بالصحّة، كأن يسأل الفرد نفسه عن معنى وفائدة ما يقوم به، وما المردود الإيجابي عليه بشكل خاص وعلى الآخرين بشكل عام.
ثالثًا: الرافعة السياقية، والتي مهمتها التأثير على نتائج ما يقوم به الفرد، عن طريق منح نفسه مكافآت في حال النجاح، أو معاقبة نفسه في حال الإخفاق.
هذا ويبقى أنّ الإنسان عندما يدرك معنى المهمة التي يقوم بها، ويرى فيها فائدة لذاته وتقديرًا من الغير، يكون أكثر اندفاعًا لإنجازها. فإدراك المرء أنه بذهابه إلى العمل على الرغم من الإرهاق الذي يسبّبه له، سيساهم في تأمين الاستقرار له ولعائلته، هو حافز بحدّ ذاته، لكن عندما لا يرى معنى لأفعاله، ويشعر بالعجز، يميل الدافع إلى التلاشي والانهيار.