"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

كيف تنجو بنفسك من الوقوع في كمائن "الفايك نيوز"؟

كريستين نمر
الأحد، 29 ديسمبر 2024

كيف تنجو بنفسك من الوقوع في كمائن "الفايك نيوز"؟

كثر منذ سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من كانون الأول الحالي تداول أخبار ونشر روايات، لم تُعرف مدى دقّتها لغاية الآن، تتحدث عن تواطؤ بعض السياسيين والأمنيين اللبنانيين مع فلول النظام المخلوع، متهمين إياهم بتسهيل دخولهم إلى لبنان ليفرّوا عبره إلى دول أخرى بدل تسليمهم للمحاكمة، حتى أن الأمر وصل ببعض الأشخاص إلى تأكيد رؤيتهم علي مملوك في هذا الفندق وماهر الأسد في تلك المنطقة وبثينة شعبان وآخرين بضيافة أحدهم وغير ذلك من الروايات التي تتهم مروّجيها بالتآمر ومصدّقيها بالخِراف والمشككين بها بالمفكّرين النقديين.

من المعروف أن “الضجّة الإعلامية” التي غالبًا ما تكون مصادرها مواقع التواصل الاجتماعي، أكثر جاذبية من المعلومات الموثوقة، وبسبب هذه الوسائط، بات المواطن معرّضًا لتلقّي الشائعات والمعلومات المنحازة، فكيف بالإمكان التمييز بين الحقيقة والشائعة وتجنّب الوقوع في فخ “النظريات التآمرية”؟

إنّ مصدّق الشائعات مثله مثل المؤمن بنظرية المؤامرة، غالبًا ما يركّز على عنصر الغرابة في الخبر محاولًا الابتعاد عن التحليلات والتفسيرات المنطقية.

الشكّ

لطالما سمعنا أنّ الشكّ هو الطريق الى اليقين والحافز المساعد على استقلالية التفكير، لكنه قد يؤدي أيضًا إلى نوع من استعباد العقل، فعندما اقترح الفيلسوف رينيه ديكارت، قبل ٤٠٠ عام، إعادة النظر في كل شيء، كان يشك أولاً وقبل كل شيء في نفسه وفي أحكامه المسبقة كما في وضوح حواسه، وكان هدفه بناء طريق منهجي نحو معرفة كان يراها متينة.

قد يتعذّر على الإنسان ممارسة هذا النوع من الشك الشامل، فالبحث المنهجي عن حل يناقض حدسه يتطلب جهدًا وطاقة عقلية كبيرين، فللتفكير بأن الأرض تدور حول الشمس وليس العكس مثلًا، علينا العودة إلى ما تعلّمناه في المدرسة وتخيّل مواقع الكواكب في الفضاء، ورفض ما تخبرنا به حواسنا وما تقنعنا به بعض الأديان، أي بعبارة أخرى علينا القيام بسلسلة من المهام الإدراكية المرهقة.

القيود الثلاثة للتفكير

أظهرت دراسات عدة بدأ العمل عليها منذ منتصف التسعينيات، أن الإنسان عند تلقيه أي معلومة، يواجه على الأقل ثلاثة أنواع من القيود العقلية الأساسية هي: البعدية، الثقافية، والمعرفية.

وترتبط الأولى أي البعدية بالزمان والمكان، فلنفترض مثلًا أن أربعة أفراد يقفون أمام هرم، وكل منهم يدّعي أنه بلون مختلف: الأول يؤكد أنه أزرق، والثاني يقول إنه أحمر، وهكذا… فهل هم يكذبون؟ أم هم ضحايا وهم؟ ربما لا هذا ولا ذاك، من الممكن أن يكون الهرم بأربعة ألوان، وكل واحد منهم يرى وجهًا مختلفًا.

القيود المعرفية: قد تكون المعلومات التي تصلنا مقيّدة بنوعية شبكتنا الاجتماعية، مثل الأصدقاء أو العائلة أو الزملاء في العمل أو بوسائل الإعلام التي نشاهدها…بحيث تدور جميعها في دائرة اجتماعية ومهنية معينة تقوم بتصفية البيانات التي نحصل عليها. وبينما نعتقد أننا على اطلاع موضوعي، فإننا في الواقع نستمد معرفتنا عمومًا من مصادر معينة ومحدودة.

أما في ما يختص بالقيود الثقافية فهي حتى عندما يكون لدينا القدرة على استقاء معلوماتنا من مصادر متنوّعة، فإننا لا نعالجها بشكل موضوعي، بل نفسرها وفقًا لإطار ثقافي واجتماعي خاص بنا. نلاحظ هنا كيف يتم تشويه معلومة غير واضحة فورًا وفقًا لإطار ثقافي معين في مجتمعاتنا كأن نربط انتقاد العريّ النسائي مثلًا بالأوساط الإسلامية.

انحياز التأكيد

إلا أنّ من سلبيات السقوط في فخ هذه القيود هو أنه يؤدي سريعًا إلى سذاجة معلّبة، قد تصل إلى حدّ الاعتقاد بالخرافات، إذ بمجرّد أن تتشكل هذه الفكرة في ذهن الشخص، تعود به إلى العناصر التي تدعمها ويقارنها بتلك التي تدحضها، هذا ما يسمّى في علم الاجتماع بـ”انحياز التأكيد”، فيجعله يولي اهتمامًا أكبر للمعلومات التي تتماشى مع آرائه السابقة، على سبيل المثال، فإنّ لقاح كورونا أثار ولا يزال جدلًا واسعًا بعدما تم ربطه بالتسبّب بالجلطات الدموية والسكتات القلبية، وقد أدّت مثل هذه المعلومات على الرغم من ندرة الحالات، إلى عزوف فئة كبيرة من الأشخاص عن تناول اللقاح لأن باعتقادهم، مخاطره تتفوّق على فائدته.

كيف يمكن تحليل المعلومات الجديدة بشكل نقدي؟

أولاً: اسأل عن الاتجاه السياسي للمصدر الذي تستقي منه معلوماتك.

ثانيًا: ابحث عن البعد الثقافي للمعلومة وحاول أن تقرأها بعين نقدية بعيدًا عن الصورة النمطية التي قد تثيرها ذهنك.

ثالثًا: كن حذرًا من حدسك لأنه ليس دائمًا مستشارًا جيدًا، إنما قد يكون مشوّهًا ببعض الأوهام العقلية. وعندها فقط ستستنتج أنه من الأفضل تعليق حكمك مؤقتًا، وستتمكّن من إجراء تحليل عميق إذا لزم الأمر، ومع التدريب ومرور الوقت يصبح ذلك أكثر تلقائية، إذ يتم إنشاء إنذار عقلي صغير يضيء بشكل طبيعي على الأمور ويحول دون إصدار أحكام سريعة ومتهوّرة.

المقال السابق
احمد الشرع يحن الى طفولته في السعودية: تحرير سوريا يضمن أمن المنطقة خمسين سنة
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

قرارات السنة الجديدة.. خيبات جديّة تضاف إلى سنين عمرنا

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية