"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

كيف سنشعر بالفرق إن مُتِّ فيروز؟

غدي بو موسى
الثلاثاء، 6 يونيو 2023

صحيح أنّك سيّدتي حين غنّيتِ عن العتاب قلتِ: “حاجي تعاتبني تعبت من العتاب”. ولكن اسمحي لي، هذه المرّة، أن أعاتبك بكلمات يقولها كثيرون ولكنّهم يخجلون علنًا من الإفصاح عنها لأنّك “أيقونة لبنان”.

ولأنّك كذلك تجرّأتُ اليوم على كتابة هذا المقال.

في الحرب الأهليّة عندما كان صوتُ القذائف يضرب لبنان، كان صوتُك يُطربه. وعندما كان الناس يشعرون أنّهم غرباء عن بلدهم، كان حضورك على المسرح أجمل ما يجمعهم. في عزّ الخوف، غلب حضورك كل محاولات التفرقة بين اللّبنانيّين. اليوم وبعدما وضع أمراءُ الحرب أنفسُهم رؤوسَنا في الوحل كلّما سُئلنا عن وطننا، لا يزال اسمك ينتشلنا من الحَرَج فنبتسم ونقول: رغم كلّ شيء لا يزال عندنا فيروز!

من حقّك أن تغيبي عن الإعلام وأن تكون لك الحياةُ الّتي تريدين. من حقّك ألّا تنزلقي إلى سطحيّةٍ أنتِ أغنى منها. من حقّك أن لا تقرأي هذا المقال في حال وقع صدفةً أمام عينيك. يكفي أنّك على عكس حديثي الشهرة، قرّرتِ البقاء في وطنك. يكفي أنّك في زمن المتملّقين، لم تصدر عنك يومًا أيّ كلمة مُحبِطة في حق شعبك ووطنك. من حقّك وسط كلّ هذا الضجيج أن تختاري الصمت. ولكن لأنّ كلمةً واحدة منك تصالح الناس مع الأمل، يصبح من حقّنا مناجاتُك كي تتنازلي ولو يومًا واحدًا عن عزلتك.

يا ريت “بتضجر منّك الحيطان وما بتستحي تقلّك” أنّ خارجها شعبًا ينتظرك ليخبرك أنّك الأمل الباقي. أحيانًا وعندما تقتحمنا همومُنا اليوميّة نلومك لأنّك أنتِ من رسمتِ في مخيّلتنا وطنًا نتعلّق به لدرجة أنّنا أصبحنا شعبًا “لا قادر يبقى ولا قادر يفل”. اليوم نحن نناشدك لتخبرينا بأنّك لم تتركينا في أصعب ظروفنا، وأنّنا لا نزال قادرين معًا على الحلم بوطنٍ يشبهنا.

كما زارك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في منزلك، يستحق اللّبنانيّون أن تزوريهم في ساحات وطنك. تخيّلي لو اعتليتِ ساحة الشهداء مثلًا، كم من مواطن سيحضر ليداوي ألمَه بكلماتك وكم من تائه يظن بأنّ الآخر عدوّه سيدرك أنّ شعبًا تجمعه فيروز لا شيء يفرّقه.

قلتِ في إحدى مقابلاتك إنّك ستغلبين الموت بالفن حين تبقى أغنياتك خالدة بعد رحيلك، ولكن الأجمل أن تعيدي شعبك إلى الحياة وأنت على قيدها.

كلُّنا ننتظرك، نرتعب كلّما تنتشر شائعة عن وفاتك، ننتظر أن تجمعنا كلماتك من جديد.

صحيح أنّ لا علاقة لك بكل المصائب الّتي نعيشها، وأنتِ مثلنا ضحيّة الطبقة السياسيّة نفسها. صحيح أنّ علينا لومَ المسؤولين بدل لومِك، ولكن عندما كانوا هم يشنّون الحروب لإنهائنا كنتِ أنت حاضرةً لإحيائنا. من كان له ملجأ مثلك، يصعَب عليه أن يتركه. حتّى أغنياتك على عظمتها لا تعوّض وقعَ حضورك لأنّنا نعلم أنّها ليست أكثر ما عندنا وهو حضورك غير المنفصل عن زمننا هذا ومشاكلنا هذه.

عودي لتعود بيروت وينتفض رأسنا من تحت الوحل، فرؤوسنا مثقلة باليأس وأنت قادرة على انتشالها.

الموت حق وما دام لم يأتِ بعد، يبقى من المبكر تقديم استقالتك منّا. لا تغنّي إن أردتي ولا تصدري أيّ ألبوم، فأغنياتك تكفينا عمرًا وأكثر.ولكن أنتِ من ينقصنا لأنّك أيقونة لبنان، وعندما تصمت الأيقونة يسهل على الأمل الاستسلام.

لا تجعلي حضورك كغيابك، كي يأتي يوم نشعر بالفرق. لك كامل الحريّة أن تتخلّي عن الغناء في عمرٍ معيّن، ولكن أليس من الأنانيّة أن تتخلّي عنّا ما دام العمر لم يستغنِ عنك بعد؟

المقال السابق
تلفزيون برّي يربط جلسة 14 حزيران الرئاسية بمجزرة إهدن

غدي بو موسى

كاتب وإعلامي لبناني

مقالات ذات صلة

هذه هي ترسانة حزب الله الصاروخية وفق معلومات اسرائيل

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية