"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

كيف نساهم في قتل المتقدّمين بالسن قبل أن تحين.. الساعة؟

كريستين نمر
الأربعاء، 5 أبريل 2023

إذا كان من شيء يركّز عليه علم النفس، سواء تعلّق الأمر بالمحللّين أو بالمرضى، هو ضرورة وزن وإدراك الصورة التي يمتلكها المرء عن نفسه، والتي غالبًا ما تكون مغايرة لحقيقته، إذ تضحي تصرفاته وبمختلف مراحل حياته رهنًا بهذه الصورة، فالتغييرات الجسدية التي تطرأ على المرء، كثيرًا ما تترك آثارها، فأن تكون مراهقًا ليس بالأمر السهل كذلك الأمر بالنسبة للتقدّم بالعمر، وهذا ما عبّرت عنه إحدى السيّدات حين قالت ” لقد بلغت الستين من العمر، أشعر وكأنني عجوز بشعر أبيض وجسد متعب يفتقد للمرونة والحيوية، عجزي هذا أراه بأعين كل من ألتقي به”.

من أين تأتي صورتنا الذاتية هذه؟

إنّها بالدرجة الأولى تعبير عن الإدراك الحسّي الذاتي. وقد يكون مصدرها داخليًا (الصورة التي يصوّرها المرء عن نفسه) أو خارجيًا (ناتجة عن علاقته بمحيطه).

إذن صورة الذات لا يكوّنها الإنسان بمفرده، إنما من خلال “الآخرين” أيضًا، ومنذ اللحظات الأولى لولادته، ومن دون أن يدرك، وذلك من خلال مجموعات من الصور التي تُرسل إليه والتي غالبًا ما تكون على علاقة بجنسه أو لونه أو إمكانياته الاقتصادية أو حياته الجنسية، ناهيك عن عمره الذي هو المعيار الحاسم في “طرفي” حياته، أي في البداية والنهاية.

وهؤلاء “الآخرون” هم أولاً وقبل كل شيء أقاربه، وخصوصًا والديه، والذي يعتبرهم علماء النفس “أولى حالات سوء الفهم لوجوده”، فالصورة التي ينظرون به إليه ليست موضوعية إنما مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بصورتهم لذواتهم ولتاريخهم، وتقول عالمة النفس كلود هالموس: “كيف يمكن للوالدين أن يعتقدوا أن لديهم طفلًا “صالحًا” إذا كانوا هم أنفسهم يعتقدون أنهم “غير صالحين؟”

فهذه النظرة، التي هي بمثابة المرآة له، سترافقه على مدى حياته بدءًا بالمدرسة، سواء منحته أو لم تمنحه، كما والداه، القيمة الحقيقية، وبالتالي ستشكّل تدريجياً صورته المستقبليّة، التي سيتعامل معها على أساس أنها الصورة الخاصة به.

يقول علماء النفس إن هذه الصورة تتطوّر مع الوقت ومع التقدمّ بالعمر، وسببها الأساسي، التغييرات التي تطرأ على شكله الخارجي.

كيف يصبح العمر معيارًا محددًا للذات؟

تجيب عالمة النفس كلود هالموس ” الطفل مثلًا، لا يزال في نظر الكثيرين غير مؤهّل لأن يعطي رأيه، أو بمعنى أصح لم يحن الوقت ليعطي رأيه، وإذا تكلّم فلا يؤخذ كلامه على محمل الجدّ، فبسبب عمره الفتيّ، يتم تصنيفه ضمن خانة “دونيّة الوجود”، وهذا المجتمع ذاته يسجن كبار السنّ في خانة “لم يعد لديه ما يكفي”، مثلًا: لم يعد لديه ما يكفي من الجمال، أو لم يعد بإمكانه تحقيق ما يكفي من النجاح، أو لم يعد يتمتّع بما يكفي من الشباب، فيحوّله إلى عاجز، نكرة وبلا قيمة “.

الصورة الذاتية وتأثيرها على كبار السن

تؤدي الشيخوخة دائمًا إلى إضعاف الصورة الذاتية لدى المرء، كما تؤثر عليه الإخفاقات التي تطال جسده أو دماغه على نظرته لنفسه، وتجعله عرضة بشكل خاص لنظرات الآخرين السلبية سواء كانت نظرات العطف والشفقة في عيون المقرّبين أو نظرات الدونية في أعين الغرباء، فتأتي تلك النظرات لتؤكد أو لتبدّد نظرته السلبية لذاته، فيقع في دوامة “يا مرايتي.. يا مرايتي”.

وبالفعل فقد أوقعت هذه الصورة هذه الفئة العمرية من الأشخاص في فخ التصنيف المذري بحيث أفقدتهم هويتهم وباتوا يعرّفون بفئة: “كبار العمر”، ويخبر أحد الأشخاص ما قاله له مستشاره المصرفي متعاليًا عندما تعذّر عليه العثور على مستند تمّ إرساله له عبر البريد الإلكتروني: “هذه حال غالبية مشاكلنا مع العجائز”.

“وغالبًا ما يكون التصنيف بهذه الحالة قاسٍ وبلا رحمة”، يقول متقاعد إثر تلقيه رسالة من شركة التأمين الخاصة به تعلمه فيها عن بعض التغيّرات التي طرأت على وضعه كونه بلغ الخامسة والستين: ” لم أكن أبدًا حاضّرًا نفسيًا”.

وتتذكّر سيّدة سبعينيّة كيف في الأشهر الأولى من جائحة “كوفيد ١٩” وبسبب اكتظاظ المستشفيات، أعطت بعض البلدان أفضلية العلاج للمرضى الأصغر سنًّا، ثمّ، مع بدء حملة التلقيح، وُضعوا مع الفئة العمرية “الهشّة” وتقول: ” في الواقع، كل شيء يحدث وكأننا نقترب من الموت، نشعر وكأننا نفقد حقنا في الحياة.

هذا ويروي أحد الأشخاص كيف رأى نظرات الاستهزاء والسخرية في عيون إحدى بائعات الكتب الشابة عندما رأت سيّدة مسنّة تتصفّح كتاب “شريط رسوم” Bande dessinées ليعتبر آخر أن ربط دعايات المراهم الخاصة بالأرجل الثقيلة بالمسنين، “وصمة عار”.

وتقول كلود هالموس “بوضعهم في هذه الخانة، إنما في الحقيقة يجرّدون من جميع قيمهم، حتى المتعة بالنسبة لهؤلاء الأشخاص تصبح غير ملائمة لهم ومثيرة للسخرية والقلق في آن، خصوصًا المتعة الجنسية إذ غالبًا ما يجري الربط بينها وبين المتقاعد”.

لماذا هذا التصنيف؟

قد يكون هذا السلوك باستبعاد كبار السنّ من الحياة هو ترويض لفكرة الموت، كونهم لا يمتلكون القدرة على وضع حدّ لحياتهم، لكنهم بذلك يعرّضونهم للخطر من جرّاء الرعب الذي تثيره هذه التصرّفات، فتجعلهم يشعرون بدنو الأجل، فالتماهي مع صورة العاجز التي يرسلونها إليهم، تُفقدهم احترامهم لذواتهم وحبّهم للحياة. فمثل هذه التصرّفات، هي بالنسبة لهم، بمثابة أسلحة دمار شامل، ألم يحن الوقت لمجتمعاتنا أن تثقّف أبناءها وتعلّمهم عدم التمييز ضدهم؟

المقال السابق
حقن التنحيف قد تؤدي إلى الترهّل والجلد الزائد
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

"نظراً للحالة الراهنة"... هذا ما أعلنه عاصي الحلاني!

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية