"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

كيف للكلمة أن تقتل؟

كريستين نمر
الخميس، 16 مارس 2023

لم تستفق فرنسا بعد من صدمة إقدام الطالب ابن الثلاثة عشر عامًا على شنق نفسه في السابع من كانون الثاني/ يناير ٢٠٢٣، في غرفته، وسط دفاتره وكتبه… وأغراضه.

أي نوع من المعاناة كان يعيشها لوقا، ليُقدم على وضع حدّ لحياته في المكان، الذي يفترض أن يكون أكثر أمانًا وطمأنينة له، كما نشعر جميعًا عندما نكون بين أهلنا وإخوتنا وأحبائنا؟

لوقا، الذي لديه العديد من نقاط الضعف، شأنه شأن جميع البشر من أي فئة عمرية كانت، كان قد تعرّض من قبل زملاء له في المدرسة للتنمّر بسبب ميوله الجنسيّة.

طبعًا لا يحتاج التنمّر ليكون ضحاياه ضعفاء حتى يتمكّن منهم، فقد بيّنت الأبحاث أنّ الأفراد الذين يتعرّضون باستمرار للسلوك التعسّفي، أكانوا أطفالًا أم بالغين، هم أكثر عرضة لخطر الاضطرابات النفسيّة، التي قد تؤدي في كثير من الأحيان إلى.. الانتحار.

Harcele-au-college-Lucas-13-ans-s-est-suicide-1555918

                        الطفل الضحيـهة لوقا

ما هو التنمّر؟

إنه سلوك عدواني متكرّر، يهدف إلى إلحاق الأذى بالآخرين عن عمد، من خلال، الإساءات الجسديّة اللفظية أو العنفية، وعزل الضحيّة واستبعاده عن النشاطات والمناسبات الاجتماعية، وذلك بهدف اكتساب المتنمّر، سلطة ما، أو للفت الانتباه، أو كي يُنظر إليه على أنه محبوب أو قوي، كما يمكن أن يقوم بذلك بدافع الغيرة أو انتقامًا لطفولة كانت مليئة بمثل هذه الأفعال.

التنمّر و.. صورة الضحيّة

تقول الطبيبة والباحثة النفسية كلود هالموس: “إنّ كل شخص يعيش مع صورة معيّنة، يرسمها في لاوعيه عن نفسه، إلّا أنّ هذه الصورة غالبًا ما تتأثر بصورة أخرى تكون وليدة نظرة الآخرين له، وهي غالبًا ما تكون خاطئة لأنها صادرة عن أشخاص غير موضوعيين.”

في الواقع، يرسم هؤلاء المتنمّرون صورة مهينة، كاريكاتورية، وشائنة لضحيتهم، ثمّ يقومون بتكبيرها وتعميمها في ما بينهم وعلى الشبكات التواصل الاجتماعي، فيحولونه إلى هدف جاهز يقدمونه للجميع.

وتشرح هالموس: “إنّ صورة الذات السلبيّة تتركّز في لا وعي الفرد، وترافق طفولته وتنمو معه، غالبًا وتكون نتيجة نظرة أهله وإخوته ورفاقه ومعلميه… وتقييمهم له، وعلى الرغم من مساعيه لتطويرها وتعديلها مع الوقت، إلا أنها تبقى مزعزعة غير ثابتة، فهذه الصورة بالتحديد هي التي يهاجمها المتنمّرون بطريقة مدمّرة”.

وتضيف: “يجد الضّحية نفسه مشبّهًا بصور مهينة تنال من قيمته وكرامته، منعوتًا بصفات مذلّة، من قبل مجموعة كبيرة من الأشخاص على صلة يوميّة بهم، فيضحون المرآة التي يرى نفسه من خلالها، فيفقد تدريجياً قدرته على تقييم نفسه بشكل صحيح لتحلّ الصورة الشائنة التي رسموها له، فيغرق في اكتئاب مدمّر تجعله يُقدم على عمل قد تكون عواقبه وخيمة “.

الضحية وصعوبة المقاومة!

إن سمّ التحرّش يسري بطريقة أكبر عند الضحيّة الهشّة التي غالبًا ما تكون قد تعرّضت لطفولة صعبة، من هنا تقول كلود هالموس ” يتوجّب على مقدّمي الرعاية ليكونوا فعاّلين، دراسة طفولة الضحيّة بتأنٍ ليتمكنوا من مساعدتها على العلاج”.

وتشبّه كلود هالموس معاناة الضحيّة المتنمّر عليها ب”المطاردة بين غزال مذعور تلحق به مجموعة من كلاب الصيد، فيفقد كل اتجاهاته، ليجد نفسه عالقًا في مرآب حيث لم يعد بإمكانه الهروب من الصيادين، محاطًا بالقطيع فيدرك أنه أمام موت محتّم”.

وتقول: “هذا ما يفسّر معاناتهم الشديدة وعجزهم التام. إن إنقاذهم يتوجّب تدخّلًا فوريًا لوقف المطاردة”.

كيف نحمي الطلاب من التنمّر؟

تقول كلود هالموس ” للأسف لا تبذل المدارس الجهد الكافي لمنع هذه الظاهرة إذ نادرًا ما تلقى شكاوى التلامذة آذانًا صاغية، من هنا أنصح الأهل بالتدخّل شخصيًا في حال ظهور بعض العلامات منها:

  • الكدمات الجسدية
  • التهرّب من النشاطات المدرسية
  • الابتعاد عن الأصدقاء
  • إهمال الواجبات المدرسية
  • ازدياد حالات الخوف والقلق.

CLAUDE HALMOS 1

                                كلود هالموس

كما تنصح بعدم المبالغة بردّة الفعل، لا بل تؤكّد على ضرورة تشجيع الطفل على الحديث بصراحة وتطمينه أن الكلام سيصبّ في مصلحته ولن يتسبّب له بأي ضرر على عكس الصمت، هذا مع ضرورة إبلاغ إدارة المدرسة، وفي حال عدم الاستجابة اللجوء إلى الشرطة.

ولا يقتصر خطر التنمّر على المجني عليه إنما يطال الجاني والشهود أيضًا، كونه يغذي عند الأول شعور الاستمتاع بفنون التعذيب، ويُغرق الشهود بحالة من تأنيب الضمير، لشعورهم بالعجز عن حماية الضحيّة.

وتختم هالموس: “الطفل لا يتحوّل إلى جلّاد بالصدفة، من هنا على المدرسة قبل اللجوء الى العقاب، أن تقوم بتنظيم لقاءات توجيهية ودورات تدريبيّة للأهل والطلاب معًا، تحثّهم من خلالها على احترام الآخرين، وتدرّبهم على وزن الكلمات وتقبّل الاختلاف الذي غالبًا ما يتمّ الدفاع عنه في مجتمعاتنا بطرق مدمّرة للذات والغير، في عصر باتت الأنماط المعلّبة معيارًا على أساسها يجري تقييم المختلفين”.

هذا ويبقى الأهم عدم تحميل الطفل مسؤولية ما يتعرّض له حتى لا يفرط في لوم نفسه ويحمّلها مسؤولية ما يتعرّض له، فللمرء كامل الحريّة باختيار النسخة الملائمة التي قد توصله إلى اكتفاء، حتى.. ولو كان مجتزأ.

المقال السابق
طعام البحر المتوسط.. صحة وعافية للعقل أيضًا
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

"غريزة" التشفّي في أوجها في لبنان والشرق الأوسط.. وهذا هو تفسير علماء النفس والمجتمع لها!

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية