ما كادت خفايا اختطاف البحار عماد أمهز من البترون، بواسطة قوة كوموندوس بحرية إسرائيلية، تتضح حتى هبّ الممانعون ل”التنمير” على “السياديين” الذين تعاطوا مع هذا الإختراق الإسرائيلي الجديد، كفصل من فصول الحرب التي افتتحها “حزب الله” في الثامن من تشرين الأول 2023.
وبعد صحفهم ودعائييهم، تنطح محمد وسام المرتضى الذي عيّنته “الممانعة” في منصب لا يشبهه ولا يليق به، أي وزير الثقافة، وكتب مقسمًا الأدوار والبلاد والصلاحيات: “البترون ليست على الخط الأمامي للمواجهة، ولا هي في الجنوب، وبرغم ذلك استهدف العدو فيها أحد المواطنين اللبنانيين بعملية اختطاف من غير أن يصدر عن كثيرٍ من “السياديين” ولو همسة اعتراض أو تنديد(…) المقاومة تردع العدوان عند الحدود، فاحموا أنتم السيادة اللبنانية والمواطنين في الداخل، ولو بالمواقف الإعلامية، من غدر العدوّ وعملائه وإجرامه وفتنه”.
يريد “الممانعون” الذين يطلبون من “السياديين” الذين رفضوا جر لبنان الى الحرب ويعارضون الاستمرار فيها، ويطالبون بتطبيق القرارات الدولية التي من دونها لا تقوم سيادة في لبنان، أن يهبوا ويصرخوا ضد عملية البترون، على اعتبار أنّها إحدى “مدنهم”.
هؤلاء الممانعون الذين كلما أعلن “سيادي” موقفه من الحرب التي أسقطت لبنان في الأتون، يدعونه الى “إقفال فمه”، يستدعون الجميع اليوم الى حفلة استنكار لما حدث.
قد يكون الممانعون محقين في ذلك، ولكن لتستقيم دعوتهم، عليهم أن يقبلوا بأن يتعاطوا مع مواقف السياديين بالجملة ولا يكتفون باختيار المواضيع التي يحق لهم الإدلاء بمواقفهم منها، فنححن هنا لسنا أمام قائمة طعام، لأنّ ما حصل في البترون ليس معزولا عمّا يحصل في الجنوب، ولا عن الغارات الإغتيالية التي تحصل على امتداد لبنان، بل هي كلها وحدة لا تتجزأ. نحن هنا أمام ثقافة الدولة وثقافة وحدة الموقف وثقافة وحدة الشعب وثقافة وحدة الأرض وثقافة وحدة الضرر وثقافة شمولية الحرب!ّ
إنّ إسقاط مفهوم السيادة، بمعطيات القرارات الدولية 1701 و1559 و1680 بالإضافة طبعا الى مبادئ وثيقة الوفاق الوطني ونصوص الدستور وروحيته، ومبادئ الدول والأنظمة، وإقحام لبنان، بقرار أحادي، في “وحدة الساحات” و”جبهة المقاومة” وحرب “طوفان الأقصى”، هي التي قادت الى عملية البترون وسوف تقود الى ما هو أدهى منها.
وهذا يعني أنّ ما حصل في البترون يستحيل عزله عمّا يحصل في الجنوب، وبالتالى من استدعى الكارثة الى الجنوب والضاحية والبقاع، هو نفسه الذي استدعاها الى البترون وأيطو والمزرعة ورأس النبع، وجونية وعاليه والكحالة وبرجا، وغيرها الكثير الكثير من الأماكن على امتداد لبنان.
ومن تكون كلمته مرفوضة حيال ما يحصل على الحدود، لا يمكن أن تكون كلمته مقبولة في أماكن أخرى، فما يسمى – من دون استحقاق- وزير ثقافة وجميع من يلفون لفه، لا يمكنهم أن يوزعوا الأدوار بين اللبنانيين. وحتى تاريخه، لم ينصب أحد “المقاومة الإسلامية” مسؤولة عن جزء من الدولة والآخرين مسؤولين عن أجزاء أخرى، فيما يخضع الجميع لإرادة “المولى” المتربع على عرشه في طهران!
لقد أقحم “حزب الله” لبنان في حرب، ليس من دون أن يراعي مواقف الآخرين فحسب، بل من دون حتى أن يتيح للدولة وللقوى السياسية وللأجهزة الأمنية والإدارية والمؤسسة العسكرية، أن تجهز نفسها، وهي الغارقة بألف كارثة وكارثة، أيضا!
وعلى سبيل المثال، ففيما كانت تتدفق الأموال والأسلحة والذخائر على “حزب الله” من إيران ومن النشاطات التي يقال عنها إجرامية، كان الجيش اللبناني والأسلاك العسكرية والأجهزة الأمنية، تعاني الأمرين حتى توفر القليل من المال، والأكل، والملابس، والأدوات.
لبنان، لم يتم إعلانه بعد دولة فدرالية، أو دولة مقسمة بين جمهوريات “ممانعة” وجمهوريات “سيادية”. لبنان، يبقى دولة مركزية حتى إشعار آخر، بالتالي، لا يمكن للممانعين أن “ينمروا” على “السياديين” إن هم صمتوا حيال ما يحصل في البترون بعدما أهينوا لأنهم تحدثوا عما يحصل في الجنوب.
إنّ تجرؤ إسرائيل على الوصول الى البترون، لم يكن ممكنا حين لم يكن لبنان، بفعل “حزب الله”، جزءًا من الحرب التي لا يعرف أحد فعلًا الجهة الحقيقية التي وقفت وراء توقيتها.
لا أحد في لبنان يشارك “حزب الله” في هذه الحرب، لأنّه هو لم يطلب، من الأساس، شراكة أحد.
كفى “تنميرًا” على الآخرين. حان الوقت لهؤلاء الممانعين أن يراجعوا ما كانوا ينطقون به، وما كانوا يزعمون بأنهم قادرون عليه، وما كانوا يتوعدون به، ليكتشفوا بأنفسهم الكارثة التي سببوها ويسببونها للبنان ولشعبه!
ما حصل في البترون، هو بالفعل مشكلة سيادية، ولكن، وبوضوح ما بعده وضوح، فإنّ الإسرائيلي نفذها و”حزب الله” تسبب بها!
يمكن متابعة هذا الملف في “نقاش” بالصوت والصورة بالضغط على الرابط الآتي: عندما تسقط “الممانعة” في ..تذاكيها!