تعاملت إسرائيل مع سلسلة مواقف وأخبار بثها “حزب الله” عن نجاحه في استهداف قاعدة “غليلوت” العسكرية على تخوم تل أبيب، في المرحلة الثانية من “عملية الأربعين” التي شنّها، الأحد، للرد على اغتيال قائده العسكري فؤاد شكر، في الضاحية الجنوبية لبيروت، في 30 تموز، بنوع من “الكوميديا الإيجابية”!
منذ الإعلان الأوّل لإسرائيل عن هجوم “حزب الله”، صدرت بيانات عن جيشها تؤكد أنّ الحزب فشل في الوصول الى أي هدف في وسط البلاد، وحددت بأنّ ثكنة “غليلوت” التي تضم مقرات الأجهزة المخابراتية كانت من بين الأهداف التي جرى إحباط التعرض لها، من خلال ما أصابه الهجوم الاستباقي من أهداف.
وعندما حاول الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله، مدعّمًا كلامه، بشائعات جرت فبركتها في إيران، عن نجاح “الهجوم الإنتقامي” في إلحاق الدمار بهذه القاعدة ، نفت إسرائيل ذلك، جملة وتفصيلًا. وكان لافتًا عدم وجود تلميح، ولو بسيط جدًا، على إمكان أن تكون هذه الإصابة قد حصلت، في أيّ من وسائل الإعلام الإسرائيلية التي تعرف كيف تتفلّت من الرقابة على الأخبار العسكرية، وفق ما بيّنت ألف واقعة وواقعة.
حتى هذه المرحلة، كانت المسألة محصورة بين روايتين، ولكن الأمر تطوّر لاحقًا!
في كلمته الأخيرة التي خصصها لشرح “عملية الأربعين”، قال نصر الله إنّ عملية تقييم للأهداف التي أصابها “الهجوم الإنتقامي” جارية، وفي حال كانت المحصلة إيجابيًّة ومرضية، فإنّ “حزب الله” سوف يعتبر أنّ ملف الرد على اغتيال شكر قد أقفل، ولكن في حال لم يكن كذلك، فإنّ الحزب سوف يستكمل الرد على العملية “لكن في وقت لاحق”. البعض ربط ذلك، بإمكان أن يكون نصرالله يهدف الى إبقاء احتمال اضطرار حزب الله للمشاركة في أي هجوم إيراني للإنتقام لاسماعيل هنية، قائمًا. هذا ما بدا أنّه كان “مأمولًا” فلسطينيًّا!
الرد الإسرائيلي على هذا الإحتمال لم يتأخر، بحيث أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بأنّه سوف يطرح على الحكومة خطة تقضي بتوسيع أهداف المواجهات مع “حزب الله” على الجبهة اللبنانية، بهدف تسريع عودة عشرات آلاف المستوطنين الذين أجلتهم الحكومة من بلداتهم وأعمالهم ومدارسهم. ولقي إعلان غالانت تعليقًا سريعًا من رئيس حكومته بنيامين نتنياهو:” بكل تأكيد”!
ولم يكد كلام هذين المسؤولين الإسرائيليّين “المتخاصمين” قد خفّ صداه، حتى وجد “حزب الله” نفسه يمتلك مصادر معلوماتية تدفعه الى إعلان اكتفائه بهجوم الأحد على إسرائيل. في إعلام الحزب ورد أنّ “عملية الأربعين” كانت “ناجحة جدًا”، إذ نجحت ست مسيّرات للحزب في إصابة الهدف. وفي ضوء هذه المعلومة، وضع الحزب نوابًا وإعلاميين ومحللين على المنابر، ليتحدثوا عن “إنجازه التاريخي”.
كيف تعاملت إسرائيل مع ذلك؟
طريقة التفاعل الإسرائيلي مع هذه “المعلومات” بدت أنها تنتمي الى فئة “التكذيب الساخر”.
بالنسبة لها، فإنّ “حزب الله” لا يكذّب من أجل الكذب، بل من أجل إيجاد مخرج لما ورّط نصرالله نفسه به، عندما أعطى أملًا للفلسطينيين بأنّه “عائد قريبًا” الى “الوعد بحرب واسعة”. كانت بيانات “حماس” و”حركة أنصار الله” الحوثية قد استبقت كلمة نصرالله، وفهمت أنّ “هجوم الأحد” هو مرحلة افتتاحية في سلسلة هجومات. باركت البيانات وربطت آمالها بمواعيد لاحقة. كان نصرالله، وهو يعلن انتهاء الرد على اغتيال شكر يأخذ “الإحباط” الفلسطيني بالإعتبار، فانجرف نحو إبقاء الباب مفتوحًا. “المعلومات الكاذبة” التي أمعن دعائيو الحزب في الترويج لها، لم تكن، في الواقع، بالنسبة لإسرائيل، سوى محاولة لتقويم “انحراف لسان نصرالله”، وبالتالي الإعلان المباشر بأنّ صفحة شكر قد طويت كليًّا.
في إسرائيل، ثمّة ارتياح الى هذا الكذب، فهم باتوا مقتنعين بأنّ “حزب الله” لا يخشى وقوع الحرب فحسب، بل حتى فكرة وقوعها، ايضًا!
بالنسبة لهم، يمكن أن يبنى على هذا الكثير في المستقبل القريب!