"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

كشف الكذب من خلال لغة الجسد.. حقيقة أم وهم؟

كريستين نمر
الثلاثاء، 9 مايو 2023

كشف الكذب من خلال لغة الجسد.. حقيقة أم وهم؟

يُعدّ اكتشاف الكذب من المواضيع الأكثر إثارةً وتداولًا في علم النفس الشعبي، وتسجّل الكتب والأفلام والمسلسلات التي تدّعي المساعدة الذاتية على كشفه من خلال طريقة تعبير المرء ومظهره وإيماءاته، نسبة عالية جدًا من المبيعات.

لكن ما هي الدوافع وراء فكّ التشفير واكتشاف الأكاذيب؟ ولماذا هذا الشغف عند الكثيرين في التنقيب عن مشاعر الآخرين الحقيقية؟ هل هو نوعًا من الفضول؟ أو سعيًا لجني الأموال؟ أو محاولة لسحر وإبهار محاوريهم؟

في دراسة قام بها فريق “أبحاث الخداع العالمي” في ٧٥ دولة، حيث غطّت ٤٨ لغة مختلفة، وضمت أكثر من ٢٣٠٠ شخص، كشفت، أن ٦٣٪ من الذين تمت مقابلتهم يعتقدون أن الكاذب يتجنّب النظر في عين محدثه، في حين اعتقد٢٨٪ أن الكاذب أضعف من يخبّي عصبيته و٢٥٪ اعتبروا أن إيماءاتهم تفضحهم.

كما شملت الدراسة، بعض الصور النمطية السائدة الأخرى، حول علامات الخداع الخارجية كحركات الذراع والساق والأصابع، إضافة إلى اللعب على إيقاع الكلام كالتنغيم الخاص، واتجاه النظرات يُمنةً ويُسرةً، والتعرّق، واللعب بالشعر والملابس أو بأشياء أخرى كالقلم مثلًا…

ويعتقد أنصار هذا النهج أنه لا يمكن للجسد أن يكذب، إذ يعتبرون، أنه يمكن للمرء أن يكتشف كذب الآخرين من خلال بعض التعابير التي تظهر على الوجه، كالنظرة العابرة، أو حركة الجسد كالإيماءات العصبيّة، التي من شأنها أن تخون هدوءه وتبرز المشاعر التي تفضح ازدواجيته، أو من خلال اهتياج الجسم… وهو ما يكفي - برأيهم - لمنح أي شخص “نعمة أن يصبح خبيرًا في البصيرة”.

إلا أنّ هذه الأرقام، أثارت جدلًا واسعًا، من قبل تيّار آخر، أطلق على باحثيه اسم “فكّ الشيفرات غير اللفظية”، بحيث اعتبروا أنه إذا كان من الممكن اكتشاف الكذب من خلال هذه القرائن، فهذا يعني عدم جدواها، إذ أن معظم “الكاذبين” يعرفون هذه المعايير أيضًا، وبالتالي، فإنهم سيتمكنون من السيطرة عليها وإخفائها.

وشبّه هؤلاء الإشارات غير اللفظية بلعبة الأحمر والأسود في الروليت، بحيث اعتبروا أنّ هناك فرصة من إثنتين لكشف الحقيقة، واعتبروا أنّ البيانات العلمية أثبتت انه من غير الممكن المجاهرة في إتقانها لأنها تعتمد بشكل كبير على الحظ.

التعبيرات الدقيقة للوجه …

Paul Ekman

                         بول إيكمان

ولا يتوقف أتباع فك الشيفرات غير اللفظية عند هذا الحد، إنما ذهبوا إلى اتباع نهج عالم النفس الأميركي، الرائد في دراسة “علاقة المشاعر بتعابير الوجه”، البروفسور بول إيكمان Paul Ekman، بحيث أظهرت تجارب أجراها على شعوب مختلفة حول العالم، أن الحزن والخوف والفرح يعبّر عنهم بطرق متشابهة جدًا بين مختلف الشعوب والثقافات، ومن هنا جاءت فرضية “العولمة في المشاعر” في ما يختص تعابير الوجه الأساسية.

ويدين علم النفس لإيكمان Ekman أيضًا، بما يسمّى “نظام ترميز إجراءات الوجه”، وهو نظام تصنيف يساعد على تحديد أدق توترات الوجه وربطها بالعواطف، وقد عرفت بشكل واسع من خلال المسلسل التلفزيوني الناجح، “اكذب عليّ” “Lie to me”، الذي تمّ إنتاجه وبثه في مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بحيث تمّ الاستعانة ب إيكمان Ekman شخصيًا، لتدريب الممثلين، والذي عاد واستعان بهم مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI في ما بعد، في المساعدة على كشف عدد من الجرائم التي تقوم بالدرجة الأولى على الكذب والنصب والخداع.

ومنذ ذلك الحين، بدأت الاستعانة بعلماء النفس لوضع الخطوات الأساسية المنطقية المستخدمة في تحديد المشاعر على الوجوه، في مجالات عدّة، كالتسويق والإعلانات والبرامج المخصّصة للأشخاص الذين يعانون من اضطراب طيف التوحّد…

هذا وأصبح نهج Ekman هو المعتمد لتدريب العديد من المهنيين كالقضاة وضباط الشرطة والمحققين وضباط الجمارك والأطباء، وهو يعتمد في الدرجة الأولى على التركيز على دقة التعابير وتحديد التناقضات، والمقارنة بين أقوال وأفعال الشخص، فيتمكّن المعالج من تصديقها أو دحضها، وعلى الرغم من أنها مكلفة وشاقة إلا أنها أثبتت فعاليتها بنسبة عالية، ويقول إيكمان: ” مهما كان الشخص الذي ينطق بالكذب مخادعًا سيأتي اليوم الذي ستخونه فيه مشاعره وسوف تكتشف حقيقته”.

مدى دقة نظرية Ekman

كشف عالما النفس ستيفن بورتر Stephan Porter وليان تن برينك Leanne ten Brinke من جامعة كولومبيا البريطانية، أنهما أثناء تصويرهما، فيلمًا عن محفّزات إثارة المشاعر، (الفرح، الاشمئزاز والخوف)، وقبل أن يقوما بمرحلة ثانية، بتحليل هذه التعابير باستخدام نظام Ekman، تبيّن أن نصف المشاركين لم يحاولوا تزييف تعابيرهم، لا بل جاءت صادقة بنسبة عالية.

وبناء عليه اعتبر Porter وBrinke “أنّ مشاعر المرء المعقّدة، والآراء المتناقضة التي تجتاحه، من صدق وخداع وكذب… قد تدحض أسطورة الكشف الفعّال عن الكذب”، مما يعني أنه لا توجد علامات جسديّة، من أي نوع على الإطلاق، تشير إلى عدم صدق الشخص.

وأكدا أن “أكثر الطرق ملاءمة لكشف الخداع هي تلك المعتمدة من قبل المحققين للكشف عن الجرائم، بحيث يطلبون من المشتبه بهم أثناء استجوابهم لهم، تكرار رواياتهم، وإعادة سرد الأحداث بترتيب عكسي، لاكتشاف التناقضات.

واعتبرا أن الأساليب التي تَعِد بتحويل أي شخص إلى خبير في البصيرة، ما هي إلا استغلال لسذاجة جمهور “جاهل للمعرفة العلمية”.

المقال السابق
"القاتل الصامت".. احذر المكالمات الهاتفية الطويلة
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

لقاح جديد للأنفلونزا يمكن للفرد أخذه بنفسه

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية