في نهاية كلمته، إعترف الأمين العام ل”حزب الله” حسن نصرالله بأنّ لبنان، منذ الثلاثين من تموز، تاريخ اغتيال إسرائيل في عملية في قلب حارة حريك لفؤاد شكر، القائد العسكري ل”المقاومة الإسلامية في لبنان”، كان نفسه “مقطوعًا” وبأنّ عشرات الآلاف من أبناء الجنوب والضاحية الجنوبية لجأوا الى مناطق أكثر أمانًا. بطبيعة الحال، لم يتطرق مباشرة الى مئات آلاف السيّاح، وأغلبيتهم من اللبنانيين المنتشرين في العالم، وقد تركوا لبنان، عاجلًا، أو ألغوا إجازتهم المقررة فيه، فورًا!
ويتناقض هذ الإعتراف مع مقدمات الكلمة التي ألقاها نصرالله لتسليط الضوء على “الهجوم الإنتقامي” الذي شنّه الحزب على إسرائيل، فجر الأحد، إذ اعتبر أنّ تأخير الر د، لأكثر من 25 يومًا، كان يهدف بين ما يهدف إليه “تدفيع الإسرائيلي الثمن” نفسيًّا.
ولكنّ القيادة الإسرائيلية، على خلاف نصرالله، وبعد انتهاء الهجوم الإنتقامي الذي شنّه “حزب الله” و”الهجوم الوقائي” الذي شنّه الجيش الإسرائيلي على “حزب الله”، لم تدع شعبها الى أخذ نفسه. لم تكن بحاجة الى ذلك، لأنّها، كانت تواكبه، منذ ثلاثين تموز، وتبلغه بأنّها قادرة، عندما يحصل شيء جلل، أن تحذره ، وبالتالي سمح وضوحها بأن تسير يوميات شعبها بطريقة شبه طبيعية. وعليه، لم ينقطع نفس إسرائيل، كما انقطع نفس لبنان، ولم ينزح عشرات الآلاف من البلدات التي لم يكن قد تمّ إجلاؤها، في الثامن من تشرين الأول، لا من الشمال ولا من تل أبيب وضواحيها.
ولم أفهم هذا الإغتباط الذي يبديه نصرالله دائمًا بلجوء الإسرائيليين، عند حصول قصف، الى الملاجئ. هذا يفترض به أن يدفع اللبنانيين الى الغضب. الإسرائيليون، على الأقل لديهم أماكن تحميهم، على عكس اللبنانيين الذين يرون أنّ قادة المقاتلين يحتمون في الأنفاق، وهم لا يجدون خلاصهم إلّا بترك منازلهم والبحث عن مأوى لأطفالهم. هذا يفترض أن يكون معيار خجل، في كلام نصرالله المسؤول “ظاهريًّا” عن توريط بلاده في حرب، لا معيار مباهاة!
ولم أفهم كيف يمكن أن يسخر نصرالله، وهو رجل طالما أ صرّ على الظهور بصورة جديّة للغاية، من قادة إسرائيل، وهم يقودون معركة، من مقرّات محصنة، حتى تحسبه، لوهلة، يتابع ما يحصل من منتجعات صور البحرية!
على أي حال، فإن ما قاله نصرالله لجهة دعوة “البلد الى أخذ نفس”، يعني أنّ الإنتظار الذي دام أكثر من 25 يومًا، منذ ثلاثين تموز الماضي حتى فجر الأحد، كان قصاصًا حقيقيًّا للبنانيين أنفسهم. هم دفعوا ثمنه من أعصابهم، ومن مدخراتهم، وممّا تبقى من عافية وطنهم.
هل كانت هذه الخسائر التي تكبدها اللبنانيون “بتحرز”؟
ما جال عليه نصرالله في كلمته يظهر جوابًا سلبيًّا عن هذا السؤال. ف”حزب الله” في إطلاقه أكثر من 300 صاروخ ومسيّرة، على مرحلتين، لم “يخترع البارود”. فعل تحديدًا ما يعرف الصديق قبل العدو أنّه قادر على فعله. لقد أثبت “حزب الله”، منذ الثامن من تشرين الأول، أنّه يملك ما يكفي من قدرات عملانية من أجل استهداف إسرائيل، بمئات الصواريخ والمسيّرات، وتاليًا، ما سمّي ب”عملية الأربعين”، إذ أتت في اليوم نفسه لحلول ذكرى أربعين استشهاد الإمام الحسين، لم تقدّم أيّ جديد.
حاول نصرالله من خلال إثارة الشكوك أن يقول إنه وصل الى أهداف نوعية، بإرسال مسيّراته الى ثكنة “مخابراتية” على تخوم تل أبيب، ولكن لا يملك على ذلك أيّ دليل. عندما بث فيديو مهّد فيه دعائيًّا لما سوف يقوله، عرّفنا على هذه المواقع ومشاهدها العامة. لم يرفق هذا الفيديو بأي معلومة تقدم، ولو بداية دليل، على أنّه أصاب هدفًا نوعيًّا، يمكنه أن يبرر الإنتظار الطويل وكلفته المرتفعة. حاولت الماكينة الدعائية ل”حزب الله” أن تعطي “الأوهام” مصداقية، فراحت توزّع على أكبر قدر ممكن من الناس، نص معلومة منسوبة زورًا الى الإعلام الإسرائيلي، بأنّ هناك نصيحة تمّ توجيهها الى القيادة الإسرائيلية بأن تعترف “بالهدف النوعي” الذي نال منه “حزب الله” قبل أن يطل نصرالله ويفضحه. لكن، حين دقت الساعة، لم يكن لدى نصرالله سوى الخطاب الخشبي عن الشجاعة والقدرة والإمكانيات، ليقدمه. كانت إسرائيل هي التي كشفت في وقت سابق عن الأهداف التي تحدث عنها نصرالله. هي التي حددت الأهداف العسكرية في وسط البلاد وفي تل أبيب التي ذكرها نصرالله. وقالت في وقت مبكر، بداية عبر الصحافة الأميركية ولاحقًا على ألسنة قياداتها السياسية والعسكرية، أنّها، في هجومها الاستباقي على مرابض “حزب الله”، نجحت في إحباط هذا الهجوم.
وعليه، كان رد “حزب الله” على اغتيال فؤاد شكر، أقل أهمية من الرد الإيراني على اغتيال قيادة فيلق القدس في القنصلية الإيرانية في دمشق. الرد الإيراني، كان “مرتبًا مسبقًا”، وشارك في صده ائتلاف عسكري تقوده الولايات المتحدة الأميركية. رد “حزب الله” تصدت له إسرائيل وحدها، وواكبته بأعنف هجوم على الجنوب اللبناني، بعدما كانت قد طلبت من السكان الإبتعاد عن كل ما له صلة بحزب الله. وهذا يعني أنّ ما جرّه “الهجوم الإستباقي” على صاحب “الهجوم الإنتقامي” كان تأثيره، على الأقل، موازيًا، وبالتالي تحوّل ما سمي بالرد إلى اشتباك صاروخي، أو، وفي حال استلفنا من نصرالله عبارته، تحوّل إلى عدوان على لبنان، وهذا يعني أنّ “حزب الله” كان عليه أن يرد، مرة أخرى!
ولعلّ هذا بالتحديد، ما دفع نصرالله، من دون أن يقر بذلك، إلى الإعتراف بأنّ إسرائيل، ليست “اوهن من بيت العنكبوت” أبدًا بل هي “إسرائيل”، كما قال، حتى بدا أنّ نطقه باسمها يرادف القوة واليد الطولى والقدرة الهائلة واتفاقيات الدفاع المشترك مع “كبار” هذه الأرض!
وإشادة نصرالله ومن هم معه برد “حزب الله” على اغتيال فؤاد شكر، مثله مثل إشادة هؤلاء جميعًا ب”حرب المساندة” لغزة. لا الرد نفع في شيء، بدليل هذه المباهاة الإسرائيلية بالتصدي العسكري وا لإستباق المخابراتي، ولا “مساندة غزة” نجحت في التصدي، ولو قليلًا، للخطط الإسرائيلية الهجومية ضد هذا القطاع الفلسطيني!
في الإفتتاحية التي نشرنا هذا الصباح تعليقًا على ما حصل، تحدثنا عن “إنتقام بلا…وزن”. في هذه الإفتتاحية وجدنا أنفسنا مضطرين الى التحدث عن “كلمة…بلا حجم “!