لأنّ لا دولة في لبنان تستحق هذه التسميّة ولا سلطات دستوريّة تنطبق عليها المواصفات، فإنّه من الطبيعي أن ينتظر الجميع من دون استثناء موقف “حاكم لبنان العسكري”، أي الأمين العام ل”حزب الله” السيّد حسن نصرالله، لمعرفة موقع “ولاية لبنان” في “الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران” من “طوفان الأقصى”، وهي حرب تُخاض في سياق “تلاحم الساحات” الذي رعاه “الحرس الثوري الإيراني” ووضع قواعده.
إذن، ينتظر الجميع موقف نصرالله. لا أحد يسأل، بطبيعة الحال، عن بلاغته الخطابيّة ولا عن توزيع شهادات الوطنية والعروبة والإنسانيّة ولا عن وضعية “بيت العنكبوت” الإسرائيلي، ولا عن فرحته بانتقال عشرات المقاتلين في حزبه من “أرض البلاء” الى “جنّات الخلد”، بل يصب التركيز على نقطة واحدة لا غير: هل سيُعلن توسيع الحرب التي بدأها في الجنوب اللبناني، بحيث تنتقل من “مرحلة الإستنزاف” إلى “مرحلة المواجهة”؟
الجواب عن هذا السؤال معقد، إلى حد ما، لأنّ الأجواء الإقليميّة والدوليّة تتغيّر بين لحظة وأخرى، وإيران تنتظر أجوبة عن أسئلة وجهتها عبر الوسطاء الى الولايات المتحدة الأميركيّ ة، وهي تريد أن تطمئن إلى نقطة واحدة تقلقها: هل سيتم التعامل مع “حزب الله” على أنّه فصيل إيراني أم سيتم فصلها عنه؟
لهذا السؤال أهميّة كبرى في إيران، فهي لا تريد أن تكون جزءًا من الحرب، بل تعمل من أجل أن تبقى في موقع الطرف الذي يفاوض عن “محور المقاومة”.
وثمّة سؤال فرعي لا يقل أهميّة عن الأوّل تريد إيران الإطمئنان إليه: هل توسيع الحرب على الجبهة اللبنانيّة، من شأنه أن يدفع الولايات المتحدة الأميركية الى دعم إسرائيلي عسكريًّا، وتجيز لها ما تحاول الآن صدّها عنه؟
إذا اقتنعت إيران بأنّ التوجه الأميركي لن يصب في مصلحة انتظاراتها فإنّ كلمة نصرالله التي ستتزامن مع وجود وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تل أبيب، ستكون “تحشيديّة” أكثر منها “حربيّة”، بحيث يدافع فيها عن إبقاء حزبه في “مرحلة الإستنزاف” ويبرّر ضمنًا أسباب إرجاء توسعة المشاركة في الحرب.
إنّ التمهيدات لكلمة نصرالله لا تُعطي “توسيع الحرب” الأرجحيّة، فالخطباء الذين يستمدون مواقفهم من غرفة عمليات الحزب ينتهجون مسار الإستمرار في “مرحلة الإستنزاف” مركزين، من دون انقطاع، على حرصهم على المدنيّين وسلامتهم. بكلام آخر، فإنّ “حزب الله” يقول، حتى تاريخه، إنّه لن ينتقل الى مرحلة ثانية من الحرب إذا اكتف إسرائيل بهذا القدر من الرد والتفاعل والمناوشات العسكريّة.
والأهم من ذلك إنّ آلة الدعاية في “حزب الله” مهّدت لإطلالته بنشر حصيلة لإنجازات مقاتلي “المقاومة الإسلامية في لبنان” في مواجهة إسرائيل. وهذا يعني أنّ “حزب الله” راض عن نتائج “حرب الإستنزاف”، فهو يلحق خسائر بالجيش الإسرائيلي ويمنعه من تركيز موارده البشرية والتقنية والتسلّحية على جبهة غزة.
بطبيعة الحال، سوف ترتفع لهجة نصرالله كثيرًا، فيقدح ويذم بالعرب والغرب في آن، ويعلن انتصارًا مبكرًا لمحور المقاومة على “بيت العنكبوت” الإسرائيلي وعلى “الشيطان الأميركي” وعلى مسار “التطبيع والخيانة”!
إذن، إطلالة نصرالله تأتي في توقيت تبدو فيه الأرجحيّة لعدم تصعيد الحرب بينه من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، بل للإستمرار في “مرحلة الإستنزاف” التي كانت وحدها كافية للقضاء على ما استجد من عافية آنية للإقتصاد اللبناني.