"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

خطِر أن يكون نصرالله قائدك!

رئيس التحرير: فارس خشّان
الجمعة، 20 سبتمبر 2024

نسلّم تسليمًا مطلقًا، بكل صفة قبيحة نزلت على إسرائيل وكيانها وقياداتها وجيشها وأجهزتها الأمنية، ولكنّ لا يمكن أن تقتصر واجباتنا، بأي شكل من الأشكال، على المزايدة في إطلاق التوصيفات على العدو. فالعدو هو عدو وكفى!

أولى واجبات المواطن تتمثل في أن يلتفت الى ما يقوم به من يحكمه أو من يتصرّف باسمه. أن يحكم له أو عليه. أن يعرف إذا كان يعمل لمصلحته أو ضدها، أو إذا كان يكترث بالمواطن أو بنفسه. ما إذا كان يراعي وطنه أو يعمل لمصلحة غيره. ما إذا كانت قوته تحافظ على البلاد أو تتسبب بتدميرها.

نظريًّا، لا السيّد حسن نصرالله حاكم لبنان الدستوري ولا حزبه هو الحزب الحاكم. ولكن هذه فرضية نظرية وليست واقعية، لأنّ نصرالله، بفعل الأمر الواقع القهري، هو الحاكم الفعلي للبنان وحزبه هو الحزب الحاكم الفعلي والوحيد.

ولأن هذه هي حقيقة نصرالله وحزب الله، فلا بد من أن نمارس تجاههما واجباتنا كمواطنين!

منذ شهر أيّار الماضي على الأقل، أي منذ ثبت عجز “حزب الله” ومعه تنظيمات “جبهة المقاومة” عن صد إسرائيل ومنعها من الدخول الى آخر مدينة في قطاع غزة (رفح) ومن ثم إجبارها على الانسحاب تحت طائلة تدميرها عن بكرة أبيها، كما كانت تزعم الخطابات على المنابر المنصوبة من قم حتى بوابة فاطمة، انهزمت كل جبهات المساندة والمؤازرة، وتحوّلت الى جبهات ضارة، فمرفأ الحديدة خطف الاهتمام من غزة، فيما راح جنوب لبنان يأخذ مكانة غزة في الإهتمامات السياسية والدبلوماسية والشعبية. حاليًا، لم يعد أحد يهتم لا بما يحصل غزة ولا بما يحصل في الضفة الغربية. أصبحت حال الفلسطينيين مثل حال السودانيين الذين يموتون ويجوعون، وبالكاد تلتفت وسيلة إعلامية الى معاناتهم القاتلة. أصبح التركيز كل التركيز على لبنان!

وهكذا تحوّلت “جبهة مؤازرة غزة” إلى “جبهة التلهي عن غزة”.

وعلى الرغم من هذه الحقيقة الساطعة التي يهمس بها حتى أكثر حلفاء “حزب الله” وفاء أو طاعة، إلّا أنّ نصرالله يكابر، ويحاول أن يُلهي الناس بإخبارهم عن الأذى الذي تسبب به “حزب الله” لإسرائيل في الشمال، وكأنّ الهدف من توريط لبنان ، والذي قضى على آخر مقومات صموده المجتمعي، في ظل الإنهيار العظيم، هو أذية إسرائيل في الشمال وليس المساهمة في منع اجتياح غزة وتدميرها أساسًا، وإلزام إسرائيل بالإسراع في وقف عدوانها، استطرادًا.

وتمكن نصرالله بما له من هالة في طائفته الشيعية، وبما لحزبه من سطوة على بيئته المضطرة على احتضانه - وهو المسلّح حتى أسنانه، ومصوب “كاتم الصوت” على رأس كل من لا يفهم لغة “السحسوح” والقابض على التعويضات والمساعدات والإعاشات- ( استطاع) أن يمرر بصمت ، قتل إسرائيل لمئات الشباب من حزبه- وبعضهم لم يصل بعد الى سن الرشد- وتدمير البلدات والقرى الحدودية عن بكرة أبيها، والتسبب بتهجير ضعف من تولت الحكومة الإسرائيلية إجلاءهم من المستوطنات الشمالية الحدودية، الى الفنادق والشقق المفروشة.

وعلى الرغم من هذا التسامح الطوعي هنا والإضطراري هناك، لم يأخذ نصرالله أيّ مبادرة من شأنها الحد من الخسائر. ظنّ هو وحزبه أنّ هناك استحالة في إسرائيل لتوسيع الحرب والإستهدافات. اعتقد فعلًا أنّ صواريخه تردع.

التجربة الأهم التي لم يتفاعل معها “حزب الله” كما يفترض، كانت في إقدام إسرائيل على اغتيال القائد العسكري للمقاومة الإسلامية فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت. تجربة تبعها فشل الهجوم الإنتقامي الذي لا تزال إيران “العقلانية” تمتنع عنه، على الرغم من أن كرامتها ومكانتها قد مسّ اغتيال إسماعيل هنية، بقوة بهما.

وثابر حزب نصرالله على وتيرته. سخر من الوسطاء الدوليين. لم يتوقف عن اعتبار تحذيراتهم من ذهاب إسرائيل الى الحرب مجرد عمليات تهويل. أهان اللبنانيين الذين وجدوا في مسار الأمور تدحرجًا طبيعيّا نحو الحرب. صحيح أنّ توقيتهم لم يُصب، لكن الصحيح أكثر أن تحليلاتهم لم تخطئ!

ويوم الإثنين، أعلنت إسرائيل ضم جبهة لبنان الى أهداف الحرب، بعدما أبلغت الوسيط الأميركي قبل 24 ساعة بذلك. نقل هوكشتاين المعلومات عبر الطرق المعتمدة الى “حزب الله”. ضحك نصرالله ووضع المعلومات خلف ظهره. بقي مصرًّا على أن المسألة ليست أكثر من محاولة تهويل جديدة. لم يكن يستوعب أنّ الصراخ الصادر من الشمال ضد الحكومة، لم يكن ألمًا بقدر ما كان ضغطًا لمصلحة الحرب. لم يعر أي اهتمام لأهمية الرأي العام في إسرائيل. حسب أنّه يُمكن أن يستوعب ب”سحسوح”.

يوم الثلاثاء، كانت ضربة أجهزة “بايجر”. أدخلت الآلاف الى المستشفيات لكنّها لم تدخل فكرة جديدة الى رأس نصرالله. أبلغ الوسطاء بأنّه “باق في المساندة”. يوم الأربعاء كانت ضربة مذهلة جديدة بتفجير أجهزة “توكي ووكي” الخاصة بالحزب. دخل المئات الى المستشفيات، لكنّ أي تطور عقلاني لم يدخل الى نهج نصرالله الثابت، فقيادة الحزب بخير. يوم الجمعة، اخترقت قذائف إسرائيل ملجأ القيادة العسكرية لحزب الله، فقتلت أبرز أركانه. هذه المرة لم تعد قيادة الحزب بخير!

في كل ما فعلته، بدت إسرائيل في وضعية استدعاء حزب الله الى الحرب أو الى التسوية. وهي سوف تستمر في نهجها، حتى خراب لبنان.

البكاء على الأبرياء لا يكون بالوقوف الى جانب مكابرة من يعرف أيّ عدو يحارب، فنصرالله إستاذ في تقديم النعوت التحقيرية للكيان العبري. البكاء على الأبرياء وظيفته الفعلية هو الضغط لإنقاذ الأحياء منهم من موت إضافي.

على نصرالله أن يقرر، فإذا كان عاجزًا، وفق كل الأدلة، عن الإنتصار في هذه الحرب حيث يبرز التفوّق الكاسح لإسرائيل، فعليه أن يترك زمام الأمور للدولة القادرة وحدها، ولو كانت مصابة بالهوان، على وضع حد لهذه المجزرة المفتوحة. دولة لن تكون وحدها، فسوف يؤازرها الشرق والغرب.

ولكن من أنّى لنا ذلك، فمن يصدّق بأنّه مقدّس يستحيل أن يقتنع بأنه، بعدما مني بهزيمة المؤازرة، قد تحوّل، بمكابرته وعجزه عن التحوّل الإبداعي، الى صانع أكبر مأساة للبنان عمومًا للطائفة الشيعية خصوصًا؟

المقال السابق
هكذا تنظر اسرائيل الى قوة الرضوان بعد اغتيال قائدها ابراهيم عقيل
رئيس التحرير: فارس خشّان

رئيس التحرير: فارس خشّان

مقالات ذات صلة

لماذا لجأ نصرالله إلى "برج الحمام"؟

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية