أثار استطلاع للرأي أجراه مركز أبحاث جامعة شيكاغو و”أسوشيتدبرس” الجدل من جديد حول عمر الرئيس الأميركي جو بايدن، وما إذا كان ينبغي وضع سقف لسن الشخص الذي يترشح للولايات المتحدة.
الاستطلاع أشار إلى أن 77 في المئة من الأميركيين يعتقدون أن بايدن، الذي سيبلغ 81 سنة بعد ثلاثة أشهر، أكبر من أن يخدم بشكل فعال لمدة أربع سنوات أخرى، كما يعتقد نصفهم أيضاً أن المنافس المحتمل دونالد ترمب (77 سنة) أكبر من أن يتولى ولاية أخرى بشكل فعال.
ولا يتعلق الأمر بالرؤساء فقط، بل ينسحب على أعضاء مجلس الشيوخ والكونغرس وكبار المسؤولين، الذين واجه بعضهم لحظات محرجة، أخيراً، مثل ميتش ماكونيل زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ والسيناتور الديمقراطية ديان فاينشتاين، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كان ينبغي للمجتمع أن يجعل التقاعد في سن معينة إلزامياً للمسؤولين المنتخبين الذين يديرون البلاد؟
عامل السن
قد يعتقد البعض أن الرئيس الأميركي جو بايدن يسير على الطريق الصحيح لنيل ترشيح الحزب الديمقراطي من دون معارضة تذكر، لكن المفاجأة التي كشف عنها الاستطلاع الأخير أن 69 في المئة من أعضاء حزبه الديمقراطي و77 في المئة من الأميركيين و89 في المئة من الجمه وريين، يعتقدون أنه كبير في السن بالنسبة إلى المنصب.
وعلى رغم أن الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترمب، يواجه قدراً أقل من التدقيق حول عمره، فإن ما يزيد قليلاً على نصف الأميركيين في استطلاع الرأي يعتقدون أن ترمب أكبر من أن يتولى ولاية رئاسية أخرى بشكل فعال، حيث يتبنى هذا الرأي 71 في المئة من الديمقراطيين و28 في المئة من الجمهوريين.
وبصرف النظر عمن سيتم التصوت له في صناديق الاقتراع عندما يحين موعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2024، فإن تكرار المنافسة بين بايدن وترمب جعل غالبية الأميركيين غير سعداء بهذه الحتمية الظاهرة، إذ يظهر الاستطلاع أن 24 في المئة فقط بشكل عام يريدون رؤية بايدن يترشح مرة أخرى، بينما يقول 30 في المئة الشيء نفسه عن ترمب.
هل بايدن بخير؟
مع ذلك، يقول القائمون على حملة إعادة انتخاب بايدن، إن العمر ليس عاملاً محفزاً كبيراً للناخبين، ويشيرون إلى نجاح الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي لعام 2022 مع وجود بايدن على رأس السلطة على رغم أنه سيبلغ 86 سنة بنهاية فترة ولايته الثانية، وهو حالياً أكبر شخص يتولى رئاسة الولايات المتحدة في التاريخ.
وبعد تعثره بكيس رمل في حفل تخرج للقوات الجوية الأميركية في الأول من يونيو (حزيران) 2023، طمأن مدير الاتصالات في البيت الأبيض بن لابولت الشعب الأميركي بأن الرئيس بايدن بخير، لكن ذلك لم يمنع الناس من التكهن على وسائل التوصل الاجتماعي حول سبب سقوطه الذي التقطته الكاميرات على الهواء وانتشر بسرعة في وسائل الإعلام، كما فتح ذلك النقاش مجدداً حول أهلية بايدن للمنصب الرئاسي بعد هذه السن.
ليس وحده
غير أن بايدن ليس وحده الذي يتعرض لتساؤلات متصاعدة حول العمر، إذ يشترك معه سياسيون آخرون في مراكز صنع القرار بالولايات المتحدة ومن أبرزهم السيناتورة الديمقراطية عن ولاية كاليفورنيا ديان فاينشتاين التي تبلغ من العمر 90 سنة، وهي أكبر شخص سناً في مجلس الشيوخ الذي تشغل فيه هذا المنصب منذ عام 1992.
تساءل بعض الناس بمن فيهم زملاؤها الديمقراطيون وهيئة تحرير صحيفة “نيويورك تايمز”، عما إذا كانت فاينشتاين قادرة على الوفاء بواجبات وظيفتها، مستشهدين بتعثرها في الكلمات خلال التصويت في لجنة المخصصات بمجلس الشيوخ في نهاية الشهر الماضي، الذي جاء بعد تغيبها لفترات طويلة بسبب أمراض مختلفة، بما في التهاب الدماغ من فبراير (شباط) إلى مايو (أيار) 2023.
وخلال الشهر الماضي أيضاً، شهد مبنى كابيتول هيل حدثاً آخر مثيراً، إذ تجمد السيناتور ميتش ماكونيل زعيم الأقلية الجمهورية (81 سنة) في منت صف جملته أثناء حديثه على المنبر أمام الصحافيين قبل أن يخرجه المساعدون بعيداً، ومع ذلك قال ماكونيل في وقت لاحق إنه بخير.
سن التقاعد للساسة
تثير مثل هذه الحوادث التساؤل حول ما إذا كان ينبغي وضع حد أعلى للساسة بحيث لا يمكنهم أن يخدموا في مناصبهم بعد سن معينة، وهل ينبغي للمجتمع أن يجعل التقاعد في سن محددة إلزامياً للمسؤولين المنتخبين الذين يديرون البلاد مثل الرؤساء وأعضاء مجلس الشيوخ، لكن هذه الأسئلة تثير قضايا أخلاقية وصحية وقانونية مختلفة حول هذه المسألة التي أصبحت مثارة بقوة في المجتمع الأميركي كلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية. على سبيل المثال، أفاد استطلاع أجرته مؤسسة يوغوف العام الماضي أن 58 في المئة من الأميركيين يريدون حداً أقصى لسن السياسيين، وعادة ما يقول مؤيدو تحديد السن، إن السياسيين الذين يشغلون مناصبهم يجب ألا يزيد عمرهم على 70 سنة، وهذا من شأنه أن يجعل 71 في المئة من أعضاء مجلس الشيوخ الحاليين في الولايات المتحدة غير مؤهلين لتولي مناصبهم، كما أنه من غير الواضح كيف يمكن تنفيذ حدود السن.
الدستور والقانون
من الناحية الدستورية والقانونية، لم تتغير متطلبات المرشحين لمنصب الرئاسة الأميركي منذ عام 1789، عندما تمت كتابة الدستور، حيث كان متوسط العمر المتوقع في تلك الحقبة نحو 34 عاماً لكنه اختلف بشكل كبير بين العبيد والأحرار في هذا الوقت، غير أن متوسط عمر المواطن الأميركي الآن يبلغ 79 سنة، ويميل إلى أن يكون أعلى بكثير بالنسبة إلى السياسيين، الأثرياء نسبياً الذين يتلقون رعاية صحية جيدة مثل بايدن وترمب.
وبينما يشترط في الولايات المتحدة ألا يقل عمر الشخص الذي يترشح للمنصب الرئاسي عن 35 سنة حتى يصبح رئيساً، وألا يقل عمر الشخص عن 25 سنة حتى يتمكن من الخدمة في مجلس النواب، ويبلغ الحد الأدنى 30 سنة للخدمة في مجلس الشيوخ، فإنه لا يوجد حد أقصى للسن في هذه المناصب، بخاصة أن الولايات المتحدة حظرت التمييز على أساس السن في أماكن العمل منذ عام 1967، وعلى هذا الأساس يتساءل البعض حول ما إذا كان ينبغي للسياسيين الذين يقودون البلاد أن يكونوا استثناء لهذا القانون؟
وفي حين يضطر الناس في كل مكان إلى مواجهة أسئلة متزايدة حول ما إذا كان الشخص أكبر من أن يتولى منصباً عاماً، فإن ما تكشف عنه الإحصاءات الرسمية يوضح بما لا يدع مجالاً للشك بأن الناس الآن تعيش حياة أطول في الولايات الم تحدة، وهو ما ينطبق أيضاً على جميع أنحاء العالم.
أسباب المؤيدين
يطرح النظر في وضع حدود عمرية لكبار السياسيين أسئلة أخلاقية معينة ليس لها إجابة واضحة بحسب ما تقول أستاذة الأخلاقيات والعلوم الإنسانية في كلية الطب بجامعة واشنطن نانسي جيكر، وعلى سبيل المثال فإن استمرار الشخص في منصبه على رغم المشكلات الصحية التي قد يعانيها، يمكن أن يهدد السلامة العامة، خصوصاً بالنسبة لمنصب الرئيس الأميركي الذي يتمتع بسلطة هائلة، بما في ذلك القدرة على إطلاق أسلحة نووية، كما أن أعضاء الكونغرس الأميركي مسؤولون عن سن القوانين وإعلان الحرب والتحكم في الضرائب والإنفاق.
ويقول المدافعون عن التقاعد الإلزامي، إن كبار السن قد أخذوا دورهم ونالوا حظهم من شغل المناصب وقد حان الوقت لوضح حد أعلى من العمر لشغل هذه المناصب، لكن إذا كان الهدف هو منح كل فرد دوراً عادلاً، فإن البعض يتساءلون حول سبب عدم تحديد عدد لسنوات الخدمة مثل حدود السن، غير أن تحديد سنوات الخدمة سيؤثر بشكل غير متناسب على الأكبر سنا، وهو ما يدفع البعض إلى اعتبار ذلك تمييزاً غير عادل.
فضلاً عن ذلك، فإن هناك عوامل أخرى مرتبطة بالعمر مثل الصحة يجب أن تؤخذ في الاعتبار، فمع تقدم الأشخاص عمرياً، يواجهون خطراً متزايداً للإصابة بالأم راض المزمنة، ومن الممكن أن تتداخل المشكلات الصحية المزمنة مع الأداء اليومي، الأمر الذي يعرض الساسة الأكبر سناً لخطر الأداء الضعيف في العمل، إلى جانب أخطار أخرى مثل السقوط، لهذا تؤدي الفحوصات الطبية وكذلك اختبارات الأداء الوظيفي لجميع الأعمار على فترات منتظمة إلى تجنب القوالب النمطية المتعلقة بالعمر.
وفيما يخضع بايدن لفحص صحي سنوي ويعتبر أطباؤه أنه صالحاً لأداء واجباته ومهامه الرئاسية، يطفو على السطح سؤال شائك هو ماذا لو اختلف الأطباء حول صحة السياسي وقدرته على البقاء في منصبه؟
الحجج الأخلاقية للرافضين
يرى الرافضون لوضع حد عمري لشغل المناصب السياسية أن الفحوصات الصحية تختلف من فرد لآخر، ولهذا لا ينبغي أن تكون الفحوصات سبباً لفرض التقاعد الإلزامي للجميع، بخاصة أن الدول الغربية الغنية لا يتقاعد الناس فيها لأنهم لم يعودوا قادرين على العمل، حيث لا يرتبط التقاعد بانخفاض فعلي في القدرات البدنية أو الفكرية، بل على العكس تشير دراسات إلى أن صحة الناس تميل أكثر إلى التدهور بعد التقاعد.
ويقول معارضو التقاعد الإجباري، إن فرض التقاعد يؤدي إلى التمييز على أساس السن، الذي يعزز الصور النمطية السلبية القائمة على أساس العمر. وعلاوة على ذلك، فقد أثبت الخبراء أن كبار ال سن متنوعون ويختلفون في شيخوختهم بين الشيخوخة البيولوجية أي التآكل الجسدي الذي يصيب الجسم نتيجة عوامل وراثية، وبين الشيخوخة الزمنية الطبيعية.
وإضافة إلى القوالب النمطية المنتشرة في المجتمعات لكبار السن، فإن التقاعد القسري ينتهك مبادئ المساواة، بينما يستحق الأشخاص القادرون على أداء عمل ما فرصاً متساوية لمواصلة عملهم، بغض النظر عن العوامل التي لا علاقة لها بالأداء الوظيفي، مثل العمر أو العرق أو الهوية الجنسية.
وفي حين أن أنصار التقاعد على أساس السن يعتبرون أن هذه السياسة تعامل الناس على قدم المساواة مع مرور الوقت، لأن جميع الشباب يصبحون كبار السن في نهاية المطاف، إلا أن المعارضين يصرون على أن نقطة المساواة تتمثل في خلق مجتمع من المتساوين، وأن التمييز ضد كبار السن غير كاف.
الشعب يقرر
مع هذه التباينات في وجهات النظر بين المؤيدين والمعارضين لتحديد حد أقصى لسن من يديرون الولايات المتحدة، أطلق الأشخاص الذين يدعمون الحد الأقصى لسن الرئيس وأعضاء الكونغرس حملات توقيع عبر الإنترنت على موقع “تشاينج دوت كوم” لكن هذه الجهود لم تكتسب قدراً كبيراً من الاهتمام وستتطلب تعديلاً دستورياً في حال الحصول على تأييد واسع.
كما تقدم اثنان من أعضاء مجلس الشيوخ الج مهوريين بطلب إجراء تعديل على دستور الولايات المتحدة هذا العام من شأنه أن يسمح لأعضاء مجلس الشيوخ بالخدمة لفترتين فقط مدة كل منهما ست سنوات ولأعضاء الكونغرس بالعمل ثلاث فترات مدة كل منها عامين، لكن الكونغرس صوت ضد المقترحات السابقة بوضع حدود لفترات الخدمة للمشرعين.
لكن على مستوى الولايات، هناك 16 ولاية تحدد فترات خدمة المشرعين، لكن ليس بالضرورة بسبب مخاوف تتعلق بالعمر، كما تجري حالياً دراسة لوضع حد للسن في ولاية ساوث داكوتا، التي ستصوت في عام 2024 على إجراء اقتراع لتعديل دستور الولاية ووضع حد أقصى لمرشحي الكونغرس عند سن 80 سنة.
وبما أن هناك حداً أدنى لسن أعضاء الكونغرس والرئاسة، تظل المطالبات بأن يكون هناك حدود قصوى قائمة أيضاً، وهو سؤال يبقى مفتوحاً في النظام الديمقراطي، فالشعب وحده هو الذي يقرر عن طريق التصويت.