معاذ فريحات
بعد 13 عاما على الحرب السورية، أثار الانهيار السريع الأخير للقوات ال نظامية لبشار الأسد تساؤلات بعدما تمكنت فصائل المعارضة المسلحة من إسقاط نظامه بعد أقل من أسبوع على هجوم بدأته في إدلب وانتهى بدمشق.
يقول الخبير العسكري الأميركي في معهد هدسون، ريتشارد وايتز، في حديث لموقع “الحرة” إن الجيش السوري “لم يكن يتبع لقيادة مركزية تابعة للأسد لوحده في السنوات الماضية، فهناك قيادات وقوى تتحكم بهذه القوات، ومرجعية بعضها لا تعود لسوريا إنما لجهات خارجية”.
وأضاف أن الجيش السوري “عانى من الفساد خاصة بعد أكثر عقد من الحرب”. وبعد نجاح الأسد سابقا في إحكام قبضته ومواجهة الانتكاسات، بدعم من حلفاء دوليين، إلا أنه واجه مؤخرا ضربات قاسية خسر بسببها حلب وحماة ودرعا وحمص ودمشق.
وكانت هيئة تحرير الشام المصنفة إرهابية وفصائل متحالفة معها بدأت في 27 نوفمبر هجوما على القوات الحكومية انطلاقا من محافظة إدلب حتى وصلت إلى دمشق وأسقطت نظام الأسد.
ويقول وايتز إن “السقوط والانهيار المدوي للجيش السوري لم يكن مفاجئا، إذا شهدنا هذا الأمر في دول سابقة قبل عقود سواء في فيتنام أو أفغانستان خاصة عندما تكون الدولة في حرب داخلية طويلة”.
وأشار إلى أن الجيش السوري “لم يعد ينظر إليه على أنه جيش نظامي خلال السنوات القليلة الماضية، إذ كان أشبه بعصابات مخدرات”.
ويوضح وايتز أن دمشق “افترضت أن تجارة الكبتاغون ستدر عليها إيرادات كبيرة، لكنها لم تحسب حساب تحول جيشها إلى ما يشبه العصابات التي تشرف على تصنيع وتجارة المخدرات، حيث اختيارها لمناطق السيطرة كان يخضع للاعتبارات التي تسهل عليها تجارة المخدرات”.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان الأحد إن الرئيس بشار الأسد غادر سوريا عن طريق مطار دمشق الدولي الذي أخلاه الجيش والقوات الأمنية على وقع هجوم غير مسبوق لفصائل المعارضة التي أعلنت أنها بدأت دخول العاصمة.
الخبير العسكري السوري، فايز الأسمر المقيم في تركيا قال لموقع “الحرة” إن التبعية في الجيش السوري “لم تعد لقيادة واحدة، إنما هناك تقسيمات للنفوذ داخل الجيش، إذ يوجد وحدات موالية لإيران وغيرها لروسيا، وقلة تابعة لدمشق” ووصفها بـ “بقايا الجيش”.
وأضاف الأسمر هو ضابط سابق برتبة عقيد، انشق عن الجيش السوري، أن “جيش بشار الأسد في السنوات القليلة الماضية أصبح هشا بطريقة لا يتصورها العقل، إذ استطاعت الفصائل المعارضة المسلحة ليس فقط السيطرة على المدن، بل ودخول القواعد العسكرية ووضع يدها على مستودعات والذخائر والأسلحة”.
وقال إن صمود دمشق في السنوات الماضية لا يحسب للجيش السوري، إذ كان هناك دور للميليشيات الإيرانية التي ساهمت في بسط النفوذ على الأرض، والدور الأهم كان لروسيا التي بدأت في 2015 بالدعم من خلال طائراتها.
وذكر الأسمر أن “ما نراه اليوم من انسحابات وهروب لجيش الأسد، كانت نتيجة حتمية بعد هذه السنوات، إذ أصبحنا نرى فتح مسارات من قبل فصائل المعارضة للسماح بانسحاب القوات النظامية وهو حصل في أكثر من مدينة”.
وأشار إلى أن “جيش الأسد الحالي لم يمتلك أي روح معنوية ولا قدرات قتالية، ولا يوجد أي دعم جوي لإسناده كما في السابق، ولهذا خيار الانسحاب والهروب هو ما يسيطر على عقلية الجندي السوري”.
واستبعد وايتز أن تكون الحجج التي يوردها البعض بأن الضربات الإسرائيلية أضعفت القوات السورية النظامية، وقال “إن الضربات عادة ما كانت تستهدف مستودعات تابعة لإيران أو حزب الله”.
وقال وايتز إننا “بالغنا في تقدير قوة الجيش السوري، والاعتقاد بضعف الفصائل المعارضة، تماما كما حدث في فترات سابقة في أفغانستان وحتى العراق”.
وزاد أنه كان من المعروف وجود “الفساد بين صفوف القوات السورية، ولكن ما حصل كشف عن حجم هذا الفساد، إذ تشير بعض المعلومات إلى أنه حتى لم يقدم على القتال في بعض المناطق، وانسحب منها فقط”.
ويتفق الخبير العسكري السوري، الأسمر مع وايتز أن الحجج بتأثير كبير للضربات الإسرائيلية على الجيش السوري ليست صحيحة.
وأشار إلى أن هذه الضربات أضعفت الميليشيات الإيرانية التي كانت تنقل الأسلحة إلى ميليشياتها في بعض دول الجوار.
وأضاف الأسمر أن بشار الأسد تعنت منذ بداية الثورة لعدم قبول أي اتفاق أو حل سياسي للأزمة في البلاد، ورفض كل الجهود الدبلوماسية الدولية، ولم يحترم أيا من الاتفاقات في مناطق خفض التصعيد، ما منح “الأسد اعتقادا أنه يسيطر على زمام الأمور في سوريا”.
وواجه الأسد (59 عاما) الذي ورث السلطة عن والده الراحل حافظ الأسد، الكثير من الانتكاسات خلال السنوات الطويلة للحرب، غير أنه وجد نفسه أخيرا بدون أصدقاء لدعمه في الميدان، فحزب الله الذي دخل القتال إلى جانب قواته في العام 2013، خرج للتو من حرب مدمرة مع اسرائيل، أما روسيا لديها حرب في أوكرانيا.
وقال المحلل العسكري، وايتز إن حلفاء الأسد السابقين منشغلون بمشاكل أكثر خطورة لها أولوية، روسيا منشغلة في أوكرانيا، وإيران تواجه تحديات بعد الضربات التي تلقتها هي وحزب الله.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي دعمت بلاده بشار الأسد، إنه “من غير المقبول السماح لمجموعة إرهابية بالسيطرة على الأراضي في انتهاك للاتفاقات القائمة”، في إشارة إلى قرار الأمم المتحدة لعام 2015 بشأن التسوية السياسية في سوريا.
من جانبه اعتبر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي السبت أن “الحوار السياسي” ضروري بين الحكومة والمعارضة.
ولم يستبعد وايتز أن حلفاء الأسد منزعجون منه، ولهذا تركوه يتعرض للضغوط من أجل تقديمه لتنازلات والتوصل لاتفاقات داخلية أو حتى مع تركيا.
الولايات المتحدة تتابع وتراقب عن كثب ما يحصل في سوريا، والمؤشرات لا تشير إلى تدخل لواشنطن فيما يحصل خلال عهد الإدارة الحالية لجو بايدن، أو حتى في عهد الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، وهو ما عبر عنه صراحة السبت، بحسب وايتز.
وتابع أن واشنطن لا تملك العديد من الأدوات في سوريا، ولديها بعض الشراكات، ولكنها ستبقي على مبدأ حماية شركائها في العراق والأردن ولبنان.
كما أن الرئيس المنتخب ترامب، قد يجد نفسه بحاجة لتغيير سياسته إذا أصبحت سوريا دولة حاضنة للجماعات المسلحة المتشددة التي قد تصدر الإرهاب للمنطقة والعالم.
يعد هذا الهجوم غير مسبوق باتساع نطاقه منذ اندلاع الاحتجاجات المناهضة للرئيس بشار الاسد في العام 2011، والتي قمعتها السلطات بعنف، قبل أن تتحول الى نزاع دام أسفر عن مقتل مئات الآلاف وتهجير الملايين وتسبب بدمار واسع.
ودعا المبعوث الخاص للأمم المتحدة غير بيدرسن السبت على هامش منتدى الدوحة للحوار السياسي إلى “الهدوء وتجنب سفك الدماء وحماية المدنيين بما يتماشى مع القانون الإنساني الدولي”.
وحض أيضا على “بدء عملية تؤدي إلى تحقيق التطلعات المشروعة للشعب السوري”.
وأفاد المرصد السوري بسقوط 826 قتيلا، بينهم 111 مدنيا منذ بدء هجوم الفصائل. وأشار إلى أن 222 مقاتلا بالإجمال قضوا منذ الثلاثاء بمحيط حماة.
كما نزح 370 ألف شخص، حسب الأمم المتحدة التي حذرت من أن هذا العدد قد يرتفع إلى 1.5 مليون.