نشرت “جيروزال يم بوست” الإسرائيلية اليوم مقالًا خصصته للتشكيك بما أورده تقرير “سي.أن.أن” الأميركية عن إمكان أن يشن الجيش الإسرائيلي في الربيع المقبل حربًا واسعة ضد لبنان. الصحيفة الإسرائيلية وضعت ما قاله المسؤولون الأميركيون ل”سي.أن.أن” في خانة المناورة من أجل دفع “حزب الله” الى الموافقة على الجهود الدبلوماسيّة.
وحفل المقال الإسرائيلي بالتضارب إذ شدد على أنّ هناك فعلًا مستويات سياسية وعسكرية تريد شنّ حرب واسعة ضد لبنان، ولكن المسألة المركزية التي على أساسها يستبعد الحرب، بعد الآن، أنّ الجيش الإسرائيلي هزم “قوة الرضوان”.
وفي ما يأتي ترجمة للمقال:
من المحتمل أن يكون تقرير شبكة “سي أن أن” عن أنّ إسرائيل قد تكون أقرب الآن من أي وقت مضى لمهاجمة “حزب الله” في حرب واسعة النطاق، مبالغًا فيه.
في الواقع، في حين أنّ الجيش الإسرائيلي لا يزال من المحتمل جدًا أن يبدأ حربًا عامة مع الجماعة الإرهابية اللبنانية في الأشهر أو السنوات المقبلة، فإن فرص حدوث ذلك على الأرجح أقل الآن مما كانت عليه في معظم الأوقات منذ تشرين الأوّل.
يبدو أن قصة “سي أن أن” هي تسريب محسوب بعناية من مسؤولين أمريكيين للضغط على “حزب الله” للموافقة أخيرًا على صفقة تنسحب بموجبها قوة الرضوان إلى م ا هو أبعد من مدى الصواريخ المضادة للدبابات، وهو ما يمكن تحقيقه تقريبًا في العديد من الأماكن من خلال التحرك شمال نهر الليطاني.
ويشعر هؤلاء المسؤولون بالإحباط لأنّ جهودهم، إلى جانب جهود فرنسا، لم تحقق أي تقدم حقيقي في إقناع الجماعة الإرهابية المتمركزة في لبنان بالموافقة على الصفقة.
وفي كافة السيناريوهات، تريد الولايات المتحدة تجنب حرب عامة بين “حزب الله ” وإسرائيل. وهذا ليس فقط لتجنب الدمار واسع النطاق المتوقع على كلا الجانبين، بل لتجنب انجرار واشنطن إلى حرب أوسع بين المصالح الغربية والمصالح الإيرانية.
حتى الآن، تمّ تصميم جميع التدخلات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط أثناء الحرب بعناية وتقييدها لتجنب التصعيد.
ومن شأن الحرب مع “حزب الله” أن تجعل هذا الأمر أكثر صعوبة.
ويشعر هؤلاء المسؤولون أيضًا بالقلق من التصعيد في الأيام الأخيرة حيث هاجم الجيش الإسرائيلي بعلبك وهاجم “حزب الله” الجليل الغربي ومرتفعات الجولان ومجموعة متنوعة من قواعد الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك إلحاق الضرر بمزيد من الجنود.
وتقع بعلبك على بعد حوالي 100 كيلومتر من الحدود الإسرائيلية في شمال شرق لبنان، في حين أن معظم هجمات الجيش الإسرائيلي حتى الآن تركزت فقط على جنوب لبنان أو على بيروت، التي لا تزال أبعد بكثير إلى الجنوب من المدينة القديمة.
وحتى هذا الأسبوع، اقتصرت معظم هجمات “حزب الله” على شمال شرق الجليل، وخاصة المناطق الفارغة.
وبهذا المعنى فإن هناك من الأسباب ما يدعو الولايات المتحدة إلى القلق. وقد تنجح استراتيجية إقناع “حزب الله” بأن الوقت ينفد حقاً وأن واشنطن غير قادرة على كبح جماح “الإسرائيليين المجانين”.
وربما نجح الأمر في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عندما اعتقدت إيران بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سيشن ضربة استباقية على منشآتها النووية إذا لم تتوصل إلى اتفاق نووي مع الولايات المتحدة.
العقوبات أقنعت الجمهورية الإسلامية أيضاً، لكن جزءاً من اللعبة كان تسريبات إدارة أوباما حول أنها لم تعد قادرة على كبح جماح نتنياهو.
وعلى الرغم من هذه الرواية، يبدو بعد سنوات أن العديد من المسؤولين لا يعتقدون بأنّ نتنياهو كان سيضغط على الزناد بالفعل.
على أية حال، من المحتمل أن يخطئ تفكير إدارة بايدن الحالية في اتجاهين رئيسيين.
أحدهما هو أن وزير الدفاع يوآف غالانت والجيش الإسرائيلي أرادا شن حرب عامة ضد حزب الله منذ 11 تشرين الأول ، وربما كررا ذلك مئات المرات طوال هذا الصر اع.
لذا فإن فكرة الهجوم الإسرائيلي ليست جديدة.
ولكن ربما الأهم من ذلك، كما ذكرت سبق أن ذكرت صحيفة “جيروزاليم بوست” ، أنه بحلول منتصف كانون الثاني، نجح جيش الدفاع الإسرائيلي بالفعل في تطهير حوالي 75% من قوات الرضوان الخاصة و85-95% من أبراج المراقبة.
وتدرك الصحيفة أن هذه الأرقام تحسنت بالنسبة لإسرائيل منذ ذلك الحين، حيث تمّ بالفعل دفع الغالبية العظمى من مقاتلي قوة الرضوان التابعة لحزب الله البالغ عددهم 6000 مقاتل إلى شمال نهر الليطاني بسبب جولات صغيرة مستمرة من الهجمات الإسرائيلية.
وبعبارة أخرى، حقق الجيش الإسرائيلي بالفعل هدفه المتمثل في دحر قوة الرضوان، والإشكالية الوحيدة المتبقية تكمن في منع حزب الله من إرسالهم مرة أخرى ضد إسرائيل في المستقبل.
في ضوء ذلك، ذكرت الصحيفة في أواخر شهر كانون الثالني أن السيناريو المرجح بشكل متزايد هو عدم التوصل إلى اتفاق وعدم حصول حرب أيضًا.
في الواقع، نظرًا لأن جزءًا كبيرًا من قوة رضوان قد تمت إزالته بالفعل، فقد أصبحت احتمالات الحرب الآن أقل مما كانت عليه قبل أشهر عندما لم تكن عملية إزالة القوة الخاصة قد بدأت بعد أو كانت قد بدأت للتو.
ومن الآن فصاعدا، يمكن لحزب الله أن يختار ببساطة وبشكل غير رسمي عدم إعادة معظم قوات الرضوان التابعة له، بينما يشير بصوت عال إلى أن بعض قواته لا تزال قائمة، بينما يتجاهل الجيش الإسرائيلي العدد الرمزي للمئات منهم الذين قد يظلون أقرب إلى الحدود الإسرائيلية.
وإلى جانب احتفاظ الجيش الإسرائيلي بفرقتين كاملتين للدفاع عن الحدود، مما يقلل من عدد قوة الرضوان القريبة، فإن هذه الصيغة يمكن أن تسمح للجيش بشكل أساسي بتحقيق أهدافه الأمنية وتسمح لحزب الله بحفظ ماء الوجه.
وبطبيعة الحال، فإن سوء التقدير قد يؤدي إلى حرب غدا. وفي مرحلة ما خلال السنوات القليلة المقبلة، يرى الكثيرون أن الحرب أمر لا مفر منه تقريبًا.
لكن كل هذا يعني أن التوقعات القاتمة الواردة في مقالة “سي.أن.أن على المدى القريب ربما تكون قد انتهت.