لا ترتفع الأصوات للمحاسبة أو لقيام المسؤولين بواجباتهم في لبنان، إلا عند حصول حادثة تكشف مدى الإهمال في دولة بات “كل مين فاتح على حسابه” وباتت أشبه بمسرح لـ”شريعة الغاب”، بغياب الرقابة والمحاسبة الخاضعة لمعايير “المحسوبيات” التي شرعت التمادي بالممارسات غير الأخلاقية، والتي وصلت الى رقاب الأطفال داخل حضانات، من المفترض أن تكون بيئة آمنة لهؤلاء، إلا أنه اتضح مجدداً أن بعضها مسرحاً لتعنيف يُمارس بتوثيق كاميرات الهواتف، التي لو لم يتسرب مضمونها لبقيت طي الكتمان، كما العديد من التجاوزات التي تحصل من دون الإضاءة عليها أو حتى محاسبة مرتكبيها، في اهمال ممنهحج يضرب كل المؤسسات بحكم “رعونة” التعاطي الرسمي مع تطبيق القوانين التي تضمن السلامة العامة .
لا يزال الفيديو الذي يظهر تعنيف أطفال داخل حضانة في الجديدة، محور متابعة من المعنيين، وسط شجب لممارسات باتت تتخطى حدود القانون كما الإنسانية، وهو أمر أثار غضب الرأي العام اللبناني ودفع بالقوى الأمنية والقضاء الى التحرك بعد الواقعة وتوقيف المعنّفة وإقفال الحضانة بالشمع الأحمر، وسط تساؤلات عن فعالية الرقابة والتخاذل المتمادي في فرض العقوبات على المنتهكين للقوانين الذي يؤدي الى تكرار تلك الأحداث.
أظهر الفيديو عاملة تضرب طفلة لم تتجاوز السنة من عمرها على رأسها بقوة لإرغامها على تناول الطعام ثم تدفعها على الكرسي وتدخل بالقوة قطعة كبيرة من الطعام في فمها غير آبهة بأنها قد تعرضها للاختناق، كما بيّن آخر تعرضها لأطفال آخرين بالضرب غير آبهة لصرخاتهم، وسط ضحكات من موظفة أخرى، في مشهد مقزز شجبه كل من اطلع على اجرام من نوع آخر ينتشر بحق الأطفال في لبنان. استوجبت “فظاعة” الحادثة وضع كل المتورطين تحت مجهر المحاسبة، وسط تساؤلات عن دور الرقابة من قبل المعنيين في الحفاظ على سلامة الصغار، ودعوات الى انزال أقسى العقوبات على بحق المسؤولين الحضانة والمتهمة بالتعنيف، فيما السؤال عن مصير العديد من الحالات المماثلة التي جرت في الخفاء ولم يُفصح عنها وذهب ضحيتها الأطفال، أقله من الناحية النفسية والجسدية.
وفي رد على التهاون في الدور الرقابي، أكّد وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض أنه “دعا إلى اجتماع طارئ للجنة حماية الأحداث بعد فيديو التعنيف”، لافتاً الى ان “فرق من الوزارة تقوم بجولات رقابية على الحضانات”.
شدد الأبيض على أنه “يجب زيادة الزيارات المفاجأة إلى الحضانات، كما يجب خضوع جميع العاملين في الحضانات للتدريب”، مشيراً الى أن “الوزارة تتواصل مع أهل الأطفال المعنفين”، قائلاً :“صدمتني المعلمة التي صورت الفيديو أكثر من التي عنفت الأطفال”.
من جهتها، أعلنت المديرية العامة لقوى الامن الداخلي أنه “في سياق التحقيق من قبل مفرزة الجديدة القضائية على أثر انتشار فيديو هزَّ الرأي العام وأظهر إستياءه حول تعرّض اطفال للضرب والتعنيف داخل احد دور الحضانة، أُوقف ليل أمس 10/7/2023 كل من المدعوّتَين د. ح. (1979) و ط. م. (1985).التحقيق مستمرّ بناءً لإشارة القضاء”.