"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

جراح الطفولة وآثارها الدائمة: جرح الرّفض وقناعه ـ الحلقة الأولى

كريستين نمر
الأربعاء، 29 مايو 2024

جراح الطفولة وآثارها الدائمة: جرح الرّفض وقناعه ـ الحلقة الأولى

غالبًا ما تتركنا العلاقات الإنسانية في حالة من الحَيرة، بسبب سلوك بعض الأشخاص، واختلاف تصرفاتهم وردود افعالهم المتباينة.

ويتطوّر هذا السلوك، مع الوقت، سواءً كان للأفضل أو للأسوأ، فيصقل شخصية الإنسان وينمّيها، وتتحدّد من خلاله اختيارات الشخص الحياتيّة في ما بعد.

وعادةً ما يأتي سلوك الانسان هذا، نتيجة جرح كبير وعميق، يكون متجذًّرًا في الانسان، فيوجّه حياته من خلال التأثير على سلوكه وعلى علاقته بالآخرين.

وأطلق بعض الباحثين على ذلك تسمية “جرح الروح”، لما يسبّبه من خوف وقلق، أو شعور بالندم والذنب او افتقار للإحساس بالأمان أو عدم الثقة بالآخرين، وخلاف ذلك، فيعيش الناس مع جراحهم ويتصرّفون مع الآخرين وفقها من دون أن يدركوا ذلك.

وقد تعبِّد له هذه الجراح طُرقًا قد يسلكها في حياته، فيَجذب على أساسها أشخاصاً، وينجذب الى اشخاص، فيختار شريك حياته من دون حتى أن يعرف أن اختياراته وتصرّفاته هذه نابعة من هروبه من جراحه العميقة لحمايته منها.

أوّل من تكلّم عن هذه الجراح، كان الطبيب النفسي الأمريكي جون بييراكوس، ليتواصل البحث والتعمق بها مع المعالجة الكنديّة ليز بوربو التي تناولت في كتابها الأكثر مبيعًا على مستوى العالم، “الإصابات الخمس التي تمنعك من أن تكون على طبيعتك”، العلاقة بين الجراح الداخلية والمظهر الخارجي للفرد.

وترى بوربو في كتابها هذا، ان ما أسمته “بجراح البدايات الناجمة عن تجاربنا الأولية مع العالم الخارجي، لا يمكن أن تلتئم ابدًا”.

لكن ما هي هذه الجراح؟ وكيف يمكننا معرفة جرحنا الذي يمنعنا من العيش بوئام وسلام مع أنفسنا؟ وهل يمكن أن يكون في داخلنا أكثر من جرح؟ وكيف يمكننا التحرّر من قبضتها او الشفاء منها؟

سوف ننشر في “نيوزاليست” سلسلة حلقات حول ما يسمى “بجراح الروح الخمس”، ومدى تأثيرها على سلوكنا وعلاقتنا بالآخرين، وكيفية الشفاء منها، مستوحاة من كتاب بوربو وتجاربها مع اشخاص جرت معالجتهم في عيادتها الخاصة.

أنواع الجراح:

لقد قسمت ليز بوربو الجراح الى خمسة اقسام، وأرفقت كلّ جرح بما أطلقت عليه اسم “القناع”، الذي يشرح “رد الفعل الدفاعي” الذي نلجأ اليه في مواجهة مواقف قد تحدث معنا، ورأت أنّ “الرغبة في إخفاء هذه الجروح عن الذات أو عن الآخرين، تجعل كلّ واحدٍ منا يرتدي قناعًا، حسب جرحه الخاص، فالشخصُ الذي يعاني من جرح الرفض يرتدي قناع الهارب، والذي يعاني من جرح التخلّي يرتدي قناع التابع والتعلق بالآخرين بشكلٍ مرضيّ، والذي يعاني من جرح الإذلال يرتدي قناع المازوشي او التلذذ في عذاب الذات، والذي يعاني من جرح الخيانة يرتدي قناع المتحكّم والمراقب، أمّا الذي يعاني من جرح الظلم فإنه يرتدي قناع الصلابة.

والقناع سيسهّل علينا معرفة أي جرح أو جراح في داخلنا.

تقول الكاتبة إن ارتداء هذه الأقنعة يصبح ضروريًا لحماية النفس، وتشبّه ذلك “بالجرح القديم في اليد الذي نتجاهله ونهمل علاجه، ونفضّل بدلاً عن ذلك ارتداء قفّاز حتى لا نراه”. وتضيف: “القفّاز هنا يعادل القناع، ولكنْ، هل الحلّ هو أن نخبّئ جروحنا حتى نتوقّف عن التألّم بدل من وضع اليد عليه؟”

تجيب بوربو: “بالطبع لا”، وتضيف: “القفّاز يخبّئ الجرح الموجود في اليد، لكنّه لا يحميها، ففي كلّ مرّة سيلمس فيها شخص ما يدك، ستشعر بالألم، حتى لو كانت لمسة حب، فإنك لن تشعر بأيّ شيءٍ سوى الألم، مع العلم أنّ الشخص الذي اقترب منك لا نية له بإيذائك، ولكنّ الألم ناجم عن اهمالك لجرحك وعدم الاعتناء به كما يجب، وبالتالي فهو ليس مسـؤولًا عن ألمك”.

وتقول بوربو: “قد يعاني الانسان من أكثر من جرح على السواء، كالخيانة والظلم مثلًا، أي قد يعاني من صدمة الظلم مع شخص من جنسه، وصدمة الخيانة مع شخص من الجنس الآخر، حتى انه قد يكون داخل الشخص ثلاثة او أربعة جراح لكن نادرا ما تصل الى خمسة”.

سنتحدّث على حلقات، بالتفصيل، عن كل جرح على حدة، وعن القناع الذي يرتديه الانسان لإخفائه وعن كيفية التخلّص منه، ونخصّص هذه المقالة للجرح الأوّل.

Screenshot 2024-05-25 at 15.59.03

      الخصائص الجسديّة للشخص الذي يعاني جرح الرفض / قناع الهارب

جرح الرفض وقناع الهارب:

إنّه من أعمق أنواع الجراح، وقد يظهر على الشخص بعمر باكر. يرافقه منذ الطفولة ويبقى معه طوال العمر، يتحكّم بسلوكه وتصرّفاته مع الآخرين وبمشاعره تجاههم. يمنعه من التمتّع بحياته. يراوده شعور دائم بعدم رغبة الآخرين به، وقد يرافقه طوال حياته من دون أن يعي ذلك.

وقد يكون سببه ناجمًا عن رفض الوالدَين له حين كان لا يزال في براعم العمر، ذلك إن ّالطفل الذي يسمع أمّه تقول إنّها حملت به عن طريق الخطأ، يعتقد بأنه غير مرغوب به، وعالة على أهله واخواته وعائلته، فيمتنع بدوره عن تقبلّهم، ويرفض أفكارهم ويعتبر سلطتهم عليه بغير حق، فيتحّول الى طفل متمرّد، متحفّظ، منعزل ويفقد احترامه وحبه لذاته، ويرفض حب الآخرين له، خوفًا من رفضهم له من جديد.

كذلك الفتاة التي تولَد في الوقت الذي يريد والداها إنجاب ذكر، قد تعيشُ وهي تعاني جرح الرّفض أيضاً والعكسُ صحيح… وطالما ان الجرح لم يُشفَ، يعودُ لينشط ويطفو على السطح من جديد، في كلّ مرّة، وبسهولة أكبر.

تقول بوربو في كتابها: “قد يلجأ هؤلاء الأشخاص إلى الهروب كوسيلةٍ لحماية أنفسهم من الشعور بالرّفض من جديد. يهربون باستمرار، حتى من الأشخاص الذين يحبّونهم. ويكون هؤلاء الأشخاص منذ طفولتهم ميّالين إلى خلق عوالم خيالية يهربون إليها، وهو ما يفسّر كونَهم أطفالًا مهذّبين وصامتين، لا يسبّبون الفوضى والمشاكل، يتفادون طلب المساعدة من الآخرين، لأنّ جرح الرفض يجعلهم يظنون أنّ المساعدة إذا لم تأتِ من دون أن تُطلَب، فهذا يعني أن الشخص لا ينوي مساعدتي، وبالتالي فإنه لا يحبّني ويهتم لأمري”.

قناع الهارب من جرح الرفض

عندما ينشط جرح “الرفض”، يرتدي حامله قناع الهارب، للابتعاد عن المواقف والأشخاص الذين قد يضعونه في مواقف لا يستسيغها، ومنها عدم تقبّل الآخرين له طبعًا، فيلجأ الى الهروب، بحيث ينعزل عن محيطه، ويتحوّل مع الوقت الى انسان متردّد غير قادر على التواصل مع الاخرين.

صفاته:

حسّاس على ملاحظات الأهل من الجنس نفسه، لا يتجرأ على إبداء رأيه، قليل الكلام، يشعر بأنه مرفوض بشكل دائم، يشك بحقه بالوجود وحقه في الحب، يهرب من المواقف التي يشعر انه مرفوض فيها، لا يتعلّق بالمال ولا بالأشياء المادية، يخرب علاقاته، يعزل نفسه، يرفض الخطأ ولا يرضى به لنفسه، يصاب بنوبات من الهلع غير المبررة.

الخصائص الجسدية:

جسم ضيق متشنّج، عادة ما يعاني من الامراض الجلدية، وعدم انتظام في دقات القلب والاسهال..

كيف يمكنه الشفاء والتحرر من هذا الجرح؟ الخطوة الأولى في علاج الصدمات تقول بوربو: “هي مراقبة نفسك، عندما تكون الصدمة نشطة وأنت في حالة ألم. في مثل هذه اللحظات، ما عليك سوى أن تُخبر نفسك أنك الآن تشعر بالرفض.

لاحظ أفكارك ومشاعرك وتوطين الألم في الجسد المادي. انظر كيف تعمل المراقبة الذاتية البسيطة بشكل رائع! مجرد الملاحظة تكفي لتهدئة الألم ولتجعلك تشعر بتحسن كبير. يصبح تنفّسك متساويًا ويزول الألم.

طرق قد تساعد على الشفاء

من الطرق الفعّالة للشفاء من ” جرح الرفض”، أن تكون مدركًا جدًا لعلاقاتك مع الآخرين. بمجرد أن تلاحظ أنك تتفاعل مع أشخاص آخرين يعانون من الألم والصدمة، خُذ نفسًا عميقًا واسأل نفسك، إذا استمعت إلى احتياجاتي، فماذا أفعل الآن؟ خذ على سبيل المثال امرأة متعبة بعد يوم عمل طويل. ترى أن أحد افراد عائلتها يريد اهتمامها، لكنّها تفضّل أن تختلي بذاتها وتأخذ قسطًا من الراحة، الا انّها، بسبب “جرح الرفض” الذي في داخلها، تخشى أن يشعر ذاك الشخص بأنّها تتخلى عنه، لذلك فهي لن تخبره عن حاجتها الى الراحة، بل ستحاول بذل قصارى جهدها للقيام بما تظن أنّه من “واجباتها المقدسة”.

ولكن عندما تضع راحتك الجسدية والنفسية قبل واجباتك، حينها ستعلم من وماذا تريد أن تكون، فتثبّت ذاتك لتأخذ مكانك الحقيقي اللائق بك وتتصالح مع ذاتك… ورويدًا رويدًا تتحوّل الى إنسان سعيد.

يتبع

المقال السابق
قلق كبير من "امونيوم" الذوق و"كهرباء لبنان" ..مطمئنة!
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

"هاري الأمير المفقود".. فيلم يفضح ما عاشه دوق ودوقة ساسكس

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية